دولي
إنه الربيع الفلسطيني
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 26 سبتمبر 2016
مرة أخرى يتبين خطر حسابات الصهاينة وبؤس رهاناتهم على خيارات القوة في تعاطيهم مع الشعب الفلسطيني ومقاومته. فقد تبين فشل إستراتيجية «العصا والجزرة» التي بلورها وزير الحرب الصهيوني أفيغدور ليبرمان. فقد سعت هذه الاستراتيجية إلى دق إسفين بين المجتمع الفلسطيني ومقاومته من خلال الإعلان عن جملة من «المغريات» الاقتصادية لمناطق الضفة الغربية التي لا ينطلق منها مقاومون ينفذون عمليات ضد الأهداف الصهيونية، في مقابلة قائمة من العقوبات الجماعية ضد المناطق الأخرى.
أفرز انفجار عمليات المقاومة الفردية في أرجاء الضفة الغربية والقدس المحتلة، تحديات أمنية وسياسية وميدانية للمستوى السياسي الحاكم والمؤسسة الأمنية في "تل أبيب"، حيث أحرج هذا التطور رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وكبار وزرائه، بعد أن سبق لهم الإعلان، بشكل تظاهري، عن انتصار "تل أبيب" على موجة من العمليات الفردية التي تفجرت في أكتوبر من العام الماضي.
وتبين، وبخلاف ما ادعى نتنياهو، أن الإجراءات الأمنية والعقوبات الجماعية التي نفذها الكيان الصهيوني بشكل منهجي ضد الفلسطينيين لم تنجح في ردع الفلسطينيين عن استئناف تنفيذ هذه العمليات بعد فترة توقف استمرت عدة أسابيع. وقد أجبرت الموجة الجديدة من عمليات المقاومة عددا كبيرا من النخب الصهيونية على الدعوة لإعادة تقييم السلوك الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني. فحسب نير حسون، معلق الشؤون الفلسطينية في صحيفة «هآرتس» فإن عمليات الطعن التي تفجرت فجأة في أرجاء الضفة الغربية والقدس المحتلة هي نتاج «سياسة العقوبات الجماعية التي تفرضها الحكومة الصهيونية على الفلسطينيين».
ولفت حسون الأنظار إلى أن اتساع دائرة العمليات في القدس تحديدا يعد «ردا مباشرا» على القرارات التي اتخذها رئيس بلدية الاحتلال في المدينة نير بركات، والتي أهانت الفلسطينيين وقلصت هامش المناورة أمامهم. تبين بشكل لا يقبل التأويل أن الرهانات الصهيونية على خيار القوة لم تؤت ثمارها.
وفي الوقت ذاته، فإن انفجار هذه الموجة من العمليات يدلل على بؤس التحركات التي تقوم بها بعض الأطراف العربية الإقليمية والتي هدفت بشكل واضح وصريح إلى فرض قيادات على الشعب الفلسطيني تكون أكثر استعدادا للتفريط بالحقوق الوطنية الفلسطينية ولم يفت حسون الإشارة إلى أن بركات «يتصرف كما لو كان الفلسطينيين في القدس مجرد أطفال يريد أن يعلمهم آداب السلوك»، وهو ما دفع الفلسطينيين لتعليمه الدرس المطلوب.
وحسب يوسي ميلمان، المعلق في صحيفة «معاريف»، فإن تفجر موجة العمليات يدلل على أنه لا يمكن «إجبار الفلسطينيين على التعايش مع الاحتلال وقبوله، محذرا من أن تواصل الواقع الحالي يمكن أن يستعدي عربا من خارج الأراضي الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني. وفي مقال نشرته صحيفة «معاريف»، اعتبر ميلمان أن الهدوء الذي شهدته الضفة الغربية خلال الأسابيع الماضية «ولد وهما لدى دوائر صنع القرار في تل أبيب بأن الفلسطينيين يمكن أن يقبلوا أن يواصل المستوطنون التصرف كما لو كانوا سادة الأرض في الضفة الغربية». وحسب ميلمان، فإن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تخشى أن تكون "إسرائيل" على موعد مع «الأسوأ» في المستقبل.
وقد كان من اللافت الدلالات التي استخلصها ميلمان في إقدام الشاب الأردني سعيد عمرو، الذي استشهد الجمعة قبل الماضي لدى محاولته تنفيذ محاولة طعن في القدس المحتلة، حيث اعتبر أن هذا الحدث يحمل دلالات خطيرة. فقد أشار ميلمان إلى أن هذا قد جاء بعد عدة أسابيع على تنفيذ شاب أردني آخر عملية طعن أخرى في منطقة «غور الأردن». ويحذر ميلمان من أن تواصل الجمود السياسي إلى جانب الاستيطان قد يشجع المزيد من الأردنيين على اقتفاء أثر عمرو، مما قد يهدد نسق العلاقة القائم حاليا بين الكيان الصهيوني والأردن. وتبين بالنسبة لكثيرين في "إسرائيل" أن تفجر عمليات المقاومة الفردية يدلل على عدم واقعية الانشغال الصهيوني بمواجهة مواقع التواصل الاجتماعي وتعليق رهانات مبالغ فيها على الخطوات التي قامت بها حكومة نتنياهو مؤخرا، سيما نجاحها في إقناع موقعي «فيسبوك» و»يوتيوب» بحذف عشرات الصفحات والحسابات الفلسطينية.
وفي الوقت ذاته، فإن انفجار هذه الموجة من العمليات يدلل على بؤس التحركات التي تقوم بها بعض الأطراف العربية الإقليمية والتي هدفت بشكل واضح وصريح إلى فرض قيادات على الشعب الفلسطيني تكون أكثر استعدادا للتفريط بالحقوق الوطنية الفلسطينية. إنه الربيع الفلسطيني الذي سيشكل بداية واعدة لإعادة ترتيب الأولويات بما يتفق مع الوجهة الصحيحة للبوصلة الوطنية والقومية بعكس ما ترغب به "تل أبيب" والعاملون لحسابها.
صالح النعامي