الوطن

فرنسا تستعمل ملف الحركى في انتخاباتها الرئاسية وحرب المصالح

بعد صمت دام عقودا من الزمن وباعترافها بالتقصير في حقهم

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية والتنافس بين المرشحين في مختلف الملفات، يعود ملف الذاكرة التاريخية، خاصة الذي له علاقة بحرب الجزائر، إلى مواقف المسؤولين. ولم يكن تصريح الرئيس الفرنسي، مس، بساحة فندق ليزانفاليد الذي اعترف فيه "بمسؤوليات الحكومة الفرنسية في التخلي عن الحركى والمجازر التي وقعت للذين بقوا في الجزائر وشروط الاستقبال غير الإنسانية للذين نقلوا إلى فرنسا".

هولاند باعترافه هذا يؤكد أن الفرنسيين تعاملوا مع من خانوا بلدهم بما يليق بهم، وبعد أكثر من خمسة عقود جاء ليعيد الاعتبار لفرنسا الاستعمارية وعملائها بالأمس، وربما الخطاب موجه إلى العملاء الجدد الذين أصبحوا يطالبون بضمانات عدم تكرار أخطاء التاريخ في حقهم، خاصة أمام التوجه الدبلوماسي والعسكري الفرنسي الجديد الذي أصبح يميل إلى التدخل المباشر على غرار شمال مالي وقبلها ليبيا والآن سوريا أيضا.

رغم أن ملف الحركى يعتبر ملفا انتخابيا في هذا الظرف، إذ يقدر عددهم وفق إحصائيات فرنسية بما يقارب 500 ألف شخص، إلا أنه يعيد ملف الذاكرة التاريخية. فكيف يسمح الرئيس الفرنسي بالإشارة إلى التعامل الجزائري مع من خانوا بلدهم وكان جزاؤهم القتل، كما فعلت كل الشعوب مع الخونة بمن فيهم الفرنسيون مع من تعاونوا مع النازية. ولم يكلف نفسه أن جيش جمهوريته قتل أكثر من مليون ونصف مليون شهيد، واستعمل كل الوسائل الوحشية والبربرية في التعامل مع شعب أعزل ولا نتحدث هنا عن الحرب.

الحديث عن ملف الحركى يأتي في فترة تشهد فيه العلاقة الجزائرية الفرنسية برودة بعد الشكل غير الدبلوماسي الذي تعامل به رئيس الحكومة الفرنسي مع صورة الرئيس الجزائري، كما أن إثارة هذه القضية رغم أنها ملف فرنسي بامتياز لأن الحركى بقبولهم البقاء واختيارهم أرض فرنسا، قبلوا أن يكونوا فرنسيين ولهم على وطنهم حق الرعاية، وليس كما عاملوهم من قبل، حيث عانوا التهميش والقهر في مخيمات الذل لعقود من الزمن، وهم الآن أمام لعنة التاريخ وربما أيضا صحوة الضمير عند بعض أبنائهم.

فرنسا الرسمية تثير ملف الحركى وتنبش في التاريخ ليس فقط من أجل الاستحقاقات الانتخابية، بقدر ما ترغب في استمرار مسار الابتزاز السياسي من جهة، وإبقاء عصا التهديد في مرحلة سياسية حرجة دوليا، بل يعتبرها بعض المحللين إحياء لسايكس بيكو جديد تم من طر ف الدول الكبرى.

ويبقى أن الجزائر لم تتعامل بحجم ثورتها مع هذا الملف المعقد الذي كان يفترض أن تصدر أحكام قضائية ضد من خانوا بلدهم، وأن تطالب الجمهورية الجزائرية المستقلة باسترجاعهم مثلما تفعل كل الدول مع الإرهابيين والقتلة والخونة، وهو حق تاريخي لا يسقط بالتقادم، ولا يترك للفرنسيين في كل مرة اختيار الوقت والطريقة في فرض ما يرونه مناسبا لهم ولمصالحهم، حيث يبدو أنهم لم يقتنعوا بعد بأن الجزائريين لا يمكنهم العودة إلى عهود الاستعمار حتى وإن كلفهم الأمر حربا وملايين جديدة من الشهداء.

خالد. ش

من نفس القسم الوطن