دولي

هذه الهبّة الوطنية الفلسطينية ضد استهداف "التجمع"

**القلم الفلسطيني

أصدر مجلس الوزراء الصهيوني، برئاسة بنيامين نتنياهو، في نوفمبر الماضي، قراراً بإخراج الحركة الإسلامية في الشمال من القانون. وتم الحكم على زعيم الحركة الشيخ رائد صلاح بالسجن تسعة أشهر، وقد بدأ بتنفيذ العقوبة في سجن نفحة الصحراوي منذ ماي، والتهمة "التحريض على الإرهاب"، وكان صلاح قد دأب على التوجه إلى المسجد الأقصى، ومناصرة المرابطين والمرابطات فيه، وكشف محاولات التهويد القسري للمسجد.

وقد عبر الوسط السياسي الفلسطيني في "إسرائيل" عن صحوة جديدة وجيدة، وكأن الحيوية السياسية تستلزم وجوباً وقوع كارثة، أو ما يضاهيها كمُحركٍ لها وباعثٍ عليها، فقد أوقفت السلطات عشراتٍ من ناشطي "التجمع الوطني الديمقراطي"، بمن فيهم رئيسه عوض عبد الفتاح، وعدد من قيادات الحزب، منهم الأسير المحرّر مخلص برغال، المحامي مراد حداد، عز الدين بدران، لولو طه، صمود ذياب، جمال دقة، إياد خلايلة، محمد طربيه، منيب طربيه، حسني سلطاني، عمار طه وعوني بنا، ابتداء من فجر الأحد الماضي 18 سبتمبر.

وتم التوقيف عبر مداهماتٍ قام بها زوار الفجر لعشرات من البيوت ومقار الحزب، وجرى خلال هذه العملية مصادرة وثائق ومقتنيات خاصة بالحزب. غرض الحملة الجديدة وغير المسبوقة تهدف إلى تشويه سمعة الحزب، وتهيئة مناخ سلبي ضده، تمهيداً لتصفيته إن أمكنهم ذلك، بعدما فشلت الحملات السابقة ذات الطابع السياسي والأمني وقد أثارت الحملة سخط الشارع العربي الفلسطيني، لما تميزت به من محاولات ترويع، وبرز ما يشبه الإجماع على أن استهداف "التجمع" حلقة ثانية بعد استهداف الحركة الإسلامية في الشمال، لتصفية الحركة الوطنية بذرائع واهية، وإيهامٍ زائف بأن السلطات تعمد إلى احتواء خطر مزعوم، أو التصدّي لمخالفاتٍ بالغة الجسامة، علماً أن الاتهامات تدور أساساً حول أمور مالية محاسبية، ويجمع مراقبون في الداخل على أن مشكلاتٍ من هذا النوع تقع فيها عادة سائر الأحزاب.

وقد استطردت السطور السابقة في التأشير إلى ردود الفعل الفلسطينية الوطنية المتضامنة مع "التجمع"، لتعريف القارئ العربي بطبيعة هذه الجولة من الاستهداف الإسرائيلي للحزب، ذي المسار الوطني والعروبي الديمقراطي الجامع. ويتبين أن غرض الحملة الجديدة وغير المسبوقة تهدف إلى تشويه سمعة الحزب، وتهيئة مناخ سلبي ضده، تمهيداً لتصفيته إن أمكنهم ذلك، بعدما فشلت الحملات السابقة ذات الطابع السياسي والأمني، كما أشار النائب زحالقة، والانطلاق من هذا إلى اتخاذ إجراءات تمُس وجود الحزب ووضعه القانوني، وذلك لما يتمتع به "التجمع" من طرح وطني وقومي صريح، مرتبط بحقوق المواطنة الكاملة، تفادياً لمواطنةٍ تؤدي الى التذويب الوطني والقومي، وإلى الأسرلة، "هوية قومية، مواطنة كاملة"، حسب شعار الحزب، مع اندفاع إلى مزاولة العمل السياسي وعدم الزهد به. وقد نشأ الحزب عام 1995، وضمّ ائتلافاً للحركة التقدمية، وحركة أبناء البلد، وحركة ميثاق المساواة وشخصيات مستقلة، قبل أن تنضم إليه أجيال جديدة من ذوي خلفيات اجتماعية شتى، حزبية وغير حزبية.

وعلى الرغم من أن "التجمع" أظهر هويته الوطنية الفلسطينية منذ نشأته، ما شكّل سابقةً تاريخية بالغة الإيجابية في الحياة الحزبية، إلا أن تواصله مع الجسم السياسي الفلسطيني في الأراضي المحتلة التي نِشأت عليها السلطة الوطنية لم يكن قوياً، بخلاف الأحزاب العربية الأخرى التي لم تؤكد وجهها الوطني الفلسطيني، ومع ذلك، حرصت على التواصل مع السلطة، وخصوصاً في عهد رئيسها الراحل، ياسر عرفات، وبث رسالة سياسية ضمنية بأن الشعب الفلسطيني واحد متحد، وكفاحه هنا وهناك متكامل الحلقات. الآن، وقد انكشف المخطط الإسرائيلي لتجريم العمل السياسي، من الواجب إبداء التضامن مع "التجمع" (وهو ما قد حدث ويتطلب بالطبع استكماله)، وكذلك مع الحركة الإسلامية في الشمال، واعتبار الأخيرة جسماً اجتماعياً وسياسيا حيّاً، وشرعياً يشارك مثل غيره في الهيئات الوطنية التمثيلية. وقد تولّى قيادة حزب التجمع، بالانتخاب الداخلي منذ العام 2007، كلٌ من واصل طه، وعوض عبد الفتاح الذي شملته الاعتقالات التي تفرض على القوى الوطنية واقعاً سياسيا جديداً، وتُملي وضع أجندةٍ تستجيب لجسامة هذا التحدّي.

محمود الريماوي

من نفس القسم دولي