الوطن

المرأة الجزائرية بين الموروث الاجتماعي ومكاسب الإصلاحات

أصبحت شريكا أساسيا في التنمية بفضل نضالاتها ووجود الإرادة السياسية

 

استطاعت المرأة الجزائرية خلال العقود الخمسة التي تلت الاستقلال من أن تفرض وجودها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بل ووصلت إلى مناصب رفيعة في الدولة في السنوات الأخيرة بعد أن أتاحت لها الإصلاحات الدستورية خاصة في فترة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي جعل من قضية المساواة وإزالة كل العراقيل القانونية والدستورية التي تقف أمام وجود المرأة الجزائرية في مصاف نساء الدول المتقدمة وخاصة أنه بخلفيته الدبلوماسية يعرف حساسية هذا الموضوع في المجتمع الدولي عموما ومنظمات المجتمع المدني بشكل خاص وأن هذه القضية جعلت رهان اختراق السيادة الوطنية وممارسة الابتزاز والضغوطات على المجتمعات النامية من طرف الدول الكبرى واللوبيات الضاغطة وأصحاب المصالح والشركات العابرة للقارات .
ورغم أهمية الإصلاحات إلا أنه من الإنصاف الحديث عن المعوقات الاجتماعية الموروثة والتي كثيرا ما ينسبها الجهل إلى الدين لازالت تقف أمام مكانة حقيقية للمرأة في مختلف القطاعات ولعل أكبر مؤشر الذي يعبر عن الخوف من المجتمع هو موضوع الترشح في الانتخابات الذي ورغم القوانين إلا أن الأحزاب وبحجة الارتكاز على الخلفية الاجتماعية لا زالت تعتبر أن مجتمعنا ذكوري ولا يتوافق مع قيادة المرأة أو قدرتها على تحمل المسؤولية وهو ما يختلف تماما مع دول إسلامية على غرار الدول الآسيوية مثل باكستان وغيرها.
إن التحدي الثقافي هو مرتزك التحول في خلفيات المجتمع وهو ما يحدث الآن في المدرسة الجزائرية التي تؤكد الأرقام تفوق نسبة تمدرس النساء على الرجال من جهة وكذلك صدارة النساء في التفوق في مختلف الأطوار التعليمة مما يجعل حتمية إزالة هذا الاشكال الاجتماعي قضية وقت لا تتجاوز في أحسن الحالات عشرية من الزمن.
لقد حققت دساتير البلاد التي عدلت في العشريتين الأخيرتين مكاسب معتبرة استطاعت فيها المرأة  أن تتبوأ أرفع المناصب وأصبحت لا تقل فرصها عن ما يتاح للرجل في مرحلة البناء والتشييد التي شرعت فيها البلاد خلال العقود الماضية، رافعتا التحديات خلال المراحل التي مرت بها التنمية في البلاد خاصة على المستوى الاقتصادي والتوجهات التي تبنتها الدولة كخيارات لبناء استقرار اجتماعي واقتصادي وحتى سياسي وأمني للبلاد، ويجمع الخبراء والمختصين كل في مجال اختصاصه ممن سألتهم " الرائد " حول تواجد ومساهمات المرأة الجزائرية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد على أن المرأة لعبت الدور المحوري في مسار التغيير الذي عرفته البلاد في السنوات الأخيرة كما أنها حرصت على أن تواكب هذا التغيير وبفاعلية في مجالات عدّة خاضت خلالها مجالات كانت إلى وقت بعيد حكرا على الرجل، إلا أن الإرادة السياسية للدولة وترسانة القوانين والإجراءات التي جاءت مساندة وداعمة لها دفعت بها لتعزز موقعها في المشهد الاقتصادي والاجتماعي للبلاد بصورة فعالة وتوضح كل سنة التقارير الدولية خاصة للهيئات الرسمية خاصة تلك التي صدرت منذ بداية السنة الجارية 2016 على أن المرأة الجزائرية بدأت تتفوق على نظيراتها من دول شمال إفريقيا والمنطقة المغاربية وحتى العربية وأضحت تتصدر مؤشرات التنمية بالمنطقة.
 
مكاسب دستورية وأرقام موضحة لمكانة المرأة
ليس ثمة شك في أن الوجود المتزايد للمرأة الجزائرية في الحياة العامة يمثل أحد ركائز التغيير الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه الجزائر اليوم، إذ تمثل مواكبة المرأة الجزائرية لمسار التغيير الحاصل انعكاسا لدورها وفعاليتها في مختلف الميادين، سواء تعلق الأمر بالمدرسة أو الأسرة أو العمل أو الحياة السياسية، وحسب الإحصائيات الأخيرة التي قدّمها ممثل الجزائر في الأمم المتحدة  فإن 97 بالمائة من البنات أكملنّ المستوى الابتدائي، 50 بالمائة من الأطباء نساء و 45 بالمائة من القضاة نساء، وفي هذا السياق، أثنت ذات الهيئة في تقرير لها خلال لقاء نظم شهر مارس الماضي بالجزائر العاصمة قدمته  الممثلة المقيمة والمساعدة لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية بالجزائر راندا أبو الحسن، ضمن ندوة حول "التجربة الجزائرية في ترقية المرأة من منظور أممي"، على التعديلات الأخيرة للدستور والتي جاءت مواده لتكريس حق المرأة في تبوأ المراكز المهمة في السلطة، حيث أشارت المادة 31 مكرر من الدستور إلى أن الدولة تعمل على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة، أما المادة 31 مكرر 2 فتنص على: " تعمل الدولة على ترقية التناصف بين الرجال والنساء في سوق التشغيل، كما تشجع الدولة ترقية المرأة في مناصب المسؤولية في الهيئات والإدارات العمومية وعلى مستوى المؤسسات".
وبإسقاط هذه التصريحات على أرقام رسمية استقتها" الرائد" من الجهات الحكومية يظهر أن عدد النساء الناشطات في الميادين الاقتصادية والاجتماعية يمثل 43 بالمئة في سلك القضاة و62 بالمائة في سلك الصحة وأن 68 بالمائة يمثلن قطاع التعليم و51 بالمائة من العاملين في قطاع الصحافة هن نساء.
وأكثر من ذلك صارت المرأة الجزائرية تهتم أكثر فأكثر بالمقاولاتية وهو النشاط الذي كان إلى وقت قريب حكرا على الرجال فقط، حيث أصبحت المرأة الجزائرية عنصرا فعالا خارج الإطار التقليدي المعروفة به، خاصة بعد ولوجها عالم المقاولتية، فالبرغم من ضآلة نسبة مشاركتها في أعمال المقاولتية وادارة الاعمال بالمقارنة مع الرجال، إلا أن أرقام السنوات الأخيرة تشير الى قفزة نوعية في مساهمتها في عدد من المجالات المقاولاتية المتميزة.
وحسب الأرقام المقدمة من قبل الصندوق الوطني للتأمين عن البطالة فإن حصة المرأة من المشاريع المقاولاتية التي احصيت على مستوى الصندوق الى غاية فيفري 2016 قد بلغت 9 بالمائة، أما في سنة 2015 فقد تم تمويل أكثر من 15 بالمائة من المؤسسات التي تدار من طرف النساء.
أما أرقام الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر فتشير إلى أن مشاريع المقاولاتية أصبحت في السنوات الأخيرة القبلة المفضلة للنساء، وفي هذا الصدد يقول بن كرو عاشور المكلف بالاتصال لدى الوكالة انه تم تمويل أكثر من 476 ألف مشروع لفائدة النساء، وهو ما يعادل 62 الى 63 بالمائة من المشاريع المدعمة من قبل ذات الهيئة وهو ما يؤكد على وجود رغبة لدى المرأة الجزائرية في ولوج ميادين استثمارية أخرى كانت إلى وقت قريب بعيدة عن اهتماماتها في سوق العمل.
 
حضور اقتصادي ومكون أساسي في العمالة 
ولدى الاطلاع على الأرقام الخاصة بواقع النساء الفاعلات في المشهد الاقتصادي توضح أرقام صادرة عن المركز الوطني للسجل التجاري،  تواجد 140.211 مؤسسة (أشخاص طبيعية ومعنوية) مسجلة باسم النساء من بين مجموع 1.877.116 تاجر مسجل في السجل التجاري إلى غاية نهاية أوت الماضي ورغم أن النسبة هذه ضعيفة ولا تمثل رقما يمكن المراهنة عليه واعتباره مقياسا لتوفق المرأة في المشهد الاقتصادي إلا أن النظر إلى الأرقام الصادرة عن ذات الهيئة لسنة 2015 تشير إلى تواجد ارتفاع معتبر في عدد المسجلات في السجل حيث ارتفع إلى نسبة  22 بالمائة خلال الأشهر الماضية وهو ما يؤكد على تنامي إيجابي لتواجد هذا العنصر في سوق الشغل.
أما فيما يخص تواجد المرأة في سوق العمل فإن أرقاما رسمية تتحدث عن تواجد أكثر من 2 مليون عاملة في مختلف المجالات حيث تشير أرقام الديوان الوطني للإحصائيات أنه خلال الفترة الممتدة بين 1962 و2015 تضاعف عدد النساء العاملات 20 مرة حيث قفز عددن من 90.500 إلى 2.275 مليون، حيث بلغت القوى العاملة الكلية في سبتمبر 2014 بالجزائر 11.453 مليون شخص من بينهم 2.078 مليون امرأة ما يمثل 18.1%.
وتقدر نسبة المساهمة في القوى العاملة البالغة 15 سنة وأكثر (نسبة النشاط الاقتصادي) 40.7% موزعة على 66.2% لدى الرجال و14.9% لدى النساء، وبحسب مناطق الإقامة فيسجل تفاوت يرجع أساسا إلى ممارسة النساء لنشاطات اقتصادية على مستوى المدن بالدرجة الأولى (17.1% مقابل 10.4% في المناطق الريفية)، علماً أن أغلبهن يشغلن وظائف في مجال التعليم والصحة والقضاء، حسب ما تأكده ذات الارقام.
ويؤكد الخبير الاقتصادي عبد المالك سراي في تعقيب له على هذه الأرقام في رد على سؤالنا حول الموضوع بأن الاستراتيجية التي تبنتها الدولة في الفترة السنوات الأخيرة ارتكزت على ترقية وادماج المرأة في سوق العمل وبفاعلية أكبر سمحت لها من الاستفادة من سياسات ومن برامج التنمية المتعددة التي تبنتها الحكومة ومختلف الأجهزة التابعة لها، مع الرهان على توفير وتهيئة المناخ الملائم من أجل بروزها في سوق الشغل ومختلف القطاعات الاستثمارية التي أقبلت عليها.
ويقول محدثنا إن هذا الدعم الذي وجدته المرأة وعلى مستويات عديدة ساعد على ولوج المرأة لعالم الشغل ومكنها من الاستفادة من الفرص المتاحة من خلال برامج التكوين والتعليم والدعم وهو ما أتاح لها الآن الوصول لمكانة فاعلة في سوق العمل.
 
 
الشيخ جلول حجيمي: المرأة جزء لا يتجزأ من بناء المجتمع ولكن بشروط !!
أكد الأمين العام للتنسيقية الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدّينية والأوقاف، الشيخ جلول حجيمي، على الدور المنوط بالمرأة في المجتمع والتنمية التي تقدمها لبناءه واستقراره كل من موقعها سواء كانت ربة منزل أو موظفة في قطاعات اقتصادية أو القطاعات الخدماتية وعرج المتحدث في رده على سؤالنا حول مساهمة المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية حيث أصبحت الآن تتبوأ مناصب قيادية ومسؤولة في عدة قطاعات هامة وحساسة تساعد على تحقيق التنمية في البلاد كالطب والتعليم وغيرها من القطاعات، وأشار الشيخ حجيمي في هذا الصدد بالدعم الذي وجدته المرأة في المجتمع والدولة من خلال ترسانة القوانين التي تبنتها الجزائر في السنوات الأخيرة وإن جاءت بعضا تتماشى مع رغبة المنظمات الدولية إلا أن ذلك لم يمنع المرأة الجزائر من التكيف معها ومع متطلبات المجتمع الجزائري أيضا ولو على مضض.
وفي رده على سؤال حول إن كان المجتمع الجزائري يرفض هذه الإسهامات التي تقدمها المرأة في بناء المجتمع انطلاقا مما سبق وأن أشار إليه حيث نجد بعض الأطراف في كل مرّة تعود وتستثمر في بعض الإجراءات والقوانين التي تطلقها الدولة وتدعم مساهمات المرأة في مجالات وميادين عديدة تتعلق بتنمية البلاد وتعزيز ريادته بين الدول قال محدثنا إن المجتمع الجزائري بطبيعته مجتمع ذكوري، وتطغى عليه العادات والتقاليد أكثر من المرجعيات الدينية التي أتاحت للمرأة القيام بأدوار تؤدي إلى الإسهام في بناء الدولة في الشق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي عدا مسألة الولاية الكبرى التي يصح أن تتولى المرأة سدّة الحكم غير أن مساهماتها في مجالات أخرى كالطب، والتجارة، والتعليم، والبحث العلمي وفي سلك القضاء وغيرها من المجالات لا يوجد نص شرعي يمنعها من القيام بها، قبل أن يشدد على أن هناك وظائف لا يمكن أن تقوم بها المرأة كحراسة الحدود أو تلك التي تتنافى وطبيعتها، ودون ذلك فقد أوضح الشيخ حجيمي أدوارا ومساهمات للمرأة الجزائرية في مرحلة التشييد والبناء ومرحلة التنمية وقد قدمت أدوارا كبيرة مثلها مثل الرجل وكل من موقعه.
 
 
حياة سرتاح

من نفس القسم الوطن