دولي

لماذا أوقفت حركة فتح الانتخابات البلدية؟!

القلم الفلسطيني

 

 

كان لقرار حركة حماس المشاركة في الانتخابات البلدية أثر كبير في دفع الحراك الداخلي الفلسطيني بشكل غير مسبوق، نتيجة للقرار الذي كان مستبعدا، والذي لم تتوقعه حركة فتح، توقعا وقياسا على أن ظروف حماس الضاغطة والقاهرة -بنظرهم-  لم تتغير منذ عام 2012، حتى تغير حماس قرارها بالمشاركة في انتخابات أكتوبر المقبل عام 2016.

بسبب قرار حماس بالمشاركة، بقيت فتح في حيرة من أمرها وتراوح مكانها، وأخذت الأمواج المتلاطمة تضربها من كل حدب وصوب، نتيجة للقرار المفاجئ لحماس، مما أنتج، ودفع لاحقا نحو ضغوط إقليمية على حركة فتح من دول الرباعية العربية وهي: الإمارات والسعودية ومصر والأردن، لإلغاء الانتخابات نتيجة معلومات استخبارية لديها بتفوق حماس، وهو ما توقعته أيضا استخبارات دولة الاحتلال، لكن الرئيس محمود عباس تريث وتردد قبل الاستجابة للضغوط عليه.

لاحقا وبعد اقتراب المرحلة الانتخابية من لحظتها الحاسمة، اتخذت حركة فتح القرار الحاسم المبني على حسابات موزونة لديها بالخسارة، مما دفع باتجاه وقف الانتخابات البلدية، ولتبرير القرار، لجأت لحجة أن القدس لم تشارك، وحجة أن محاكم غزة غير شرعية، كون تلك المحاكم اتخذت قرارا بإسقاط عدد من قوائم انتخابية لحركة فتح، لعدم التزامها بشروط تشكيل القوائم من الناحية القانونية.

وزن الأمور والاحتمالات المختلفة، وتقييم حركة فتح لموضوع الانتخابات، دفعها باتجاه اتخاذ قرار من قبل محكمة العدل العليا الفلسطينية في رام الله، والتي قررت وقف إجراء الانتخابات البلدية في الضفة الغربية وقطاع غزة والمقررة في الثامن من أكتوبر المقبل، لحين البت في قضيتين منظورتين، الأولى هي طعون قوائم فتح على قرار لجنة الانتخابات باستبعاد قوائم لها، وتشكيل محاكم الاعتراضات ليست وفق الأصول، والأخرى متعلقة بقضية رفعها المحامي نائل الحوح كون العاصمة القدس غير مشمولة في الانتخابات.

لو كانت حجة حركة فتح صادقة بالنسبة للقدس، لما حرمت القدس من المشاركة في الانتخابات البلدية عام 2006 وعام 2012 ، وهو ما يفند وينسف حجج حركة فتح في هذه النقطة الحساسة بالذات، وأصلا المحامي الحوح نفى رفعه قضية في هذا الشأن.

أما النقطة الثانية بأن محاكم غزة غير شرعية، هذا ينسف حجة حركة فتح والتي كانت موافقة منذ البداية على أن تنظر محاكم غزة في الطعون الانتخابية، بحسب قوانين لجنة الانتخابات المركزية. لجنة الانتخابات المركزية قررت منذ البداية وبموافقة عباس والحكومة الاحتكام للقضاء في غزة، لذا فالتذرع بـ"عدم شرعية" قضاء غزة للإيهام بأن حماس تتحكم به، لم تكن حجة مقنعة وموفقة لدى حركة فتح إلغاء الانتخابات سيعمل على تقوية منطق وحجج حماس؛ كونها ليست هي من ألغى الانتخابات، وكونها اعترضت لاحقا على قرار الإلغاء، وهو ما يحشر حركة فتح في الزاوية، ويبطل مزاعم كثيرة كانت تقول إن حركة حماس لا تؤمن بالتداول السلمي للسلطة، ولا بصناديق الاقتراع والعملية الديمقراطية.

في المحصلة، كان خيار حماس بالموافقة على المشاركة بالانتخابات البلدية على صعوبته، موفقا؛ فقد كشف من يؤمن بحرية الاختيار، ومن يريد التداول السلمي للسلطة بعيدا عن صناديق الرصاص كما في الدول العربية، وكشف من يؤمن بالعملية الديمقراطية ودفع استحقاقها، وكشف حكمة قيادتها وبعد نظرها الذي لم يعرفه الكثيرون في بدايته، والذي سيؤتي ثمارا طيبة أكبر، وأكثر على المدى البعيد.

  

 

د. خالد معالي

 

من نفس القسم دولي