الوطن

الحجيج اليوم في عرفات والسعودية أمام امتحان صعب

في ظروف سياسية وأمنية حرجة وحساسة

 

  • بعثة الحجاج الجزائريين أمام تحدي تجاوز التسيب وتحمل المسؤولية
 
يتجه اليوم الحجيج إلى عرفة بعد أن باتوا، أمس، في منى (على بعد سبعة كيلومترات شمال شرقي الحرم المكي) حيث قضوا يوم التروية اقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليكملوا ركن الوقوف بعرفات. وعرفة كلها موقف، وفي هذا اليوم يبدأ الحجاج يومهم بالذكر وقراءة القرآن، كما يحيون هذا النسك العظيم ويستحضرون فيه الوقوف بين يدي الله عز وجل في يوم المغفرة والمباهاة والعتق من النيران، ويكثر الحجاج من الدعاء والابتهال إلى الله تعالى، كما يصلون الظهر والعصر جمع تقديم، ويستحب أن تقام خطبة عرفة سواء في مسجد نمرة أو جماعات في الخيم التي تؤوي الحجاج. وينفر الحجاج اليوم بعد غروب الشمس، ولهذا سمي يوم النفرة، متجهين إلى مزدلفة حيث يصلون المغرب والعشاء ويقيمون إلى غاية صلاة الصبح، ليتجهوا غدا إلى منى حيث رمي الجمرة الكبرى.
وتقام هذه السنة المناسك وفق ترتيبات أمنية كبيرة نتيجة الضغوطات الممارسة على السعودية، سواء من بعض الدول الإسلامية، على غرار إيران التي أصبحت تطالب بوضع الأماكن المقدسة تحت إشراف دول العالم الإسلامي، أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية التي أقر الكونغرس الأمريكي، أول أمس، قانونا جديدا يتيح لضحايا 11 سبتمبر مقاضاة السعودية في المحاكم الأمريكية، رغم كل الاعتبارات الديبلوماسية المحتملة في طريق العدالة، على غرار تلويح البيت الأبيض باستعمال حق الفيتو. كما ستلقي الحرب على اليمن بظلالها على حج هذا العام، أمام استمرار الضربات الجوية على مختلف المناطق اليمنية ووصول قوات الحوثيين وصالح إلى الحدود السعودية، وهو ما يهدد الاستقرار والأمن، ويمكنه أيضا أن يجعل من أمن الحجاج محل تجاذب سياسي غير مسبوق.
في مثل هذه الظروف الحرجة والحساسة، تتولى المملكة السعودية تسيير ملف الحج لهذا العام حريصة على أن لا تتكرر مأساة العام الماضي التي أسفرت عن مئات القتلى في ازدحام بمنى. ورغم أن المبادرات المتخذة هذا العام كثيرة بدءا من زيادة حجم قوات الأمن بمختلف التخصصات، مرورا باستعمال الأسورة الإلكترونية، إضافة إلى حملات التحسيس المتعددة، كما حرصت بعض التوجيهات على المطالبة بحسن معاملة الحجاج خاصة من المشرفين على المنافذ وحتى المشرفين على تفويج الحجاج.
 
أكثر من 1.26 مليون حاج والجزائريون ثامن الجنسيات عددا
وبحسب إحصاءات وكالة الأنباء السعودية، والمديرية العامة للجوازات في المملكة، وصل عدد الحجاج الذين توجهوا بالفعل إلى السعودية، حتى يوم 5 سبتمبر الجاري، إلى مليون و261 ألفاً و540 حاج، من 160 دولة، ووصل من بين الحجاج مليون و185 ألفاً و874 حاج عبر الجو، و62 ألفا و943 حاج برًا، فيما سافر 12 ألف حاج و723 بحرًا.
ويكون ترتيب الدول العشر الأوائل من حيث عدد الحجاج كالتالي: إندونيسيا وباكستان، تليها الهند ثم بنغلاديش فنيجيريا، تليها تركيا في المرتبة السادسة.
وأدى خروج إيران هذا العام إلى شغل تركيا المرتبة السادسة، تليها مصر، ثم الجزائر فالمغرب، وفيما رصدت وكالة "الأناضول" أن عدد الحجاج الجزائريين قد بلغ هذا العام 28 ألفاً و800 حاج، لتصبح في المرتبة الثامنة، دون زيادة في الحصة لها أو لأي من الدول بسبب الأشغال بمحيط الحرم المكي التي لم تنته بعد، بحسب وزير الشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، وتنقسم الأعداد بين نظامية عبر الديوان الوطني للحج والعمرة (حكومي)، أو وكالات السفر المتعمدة.
وتحرص بعثة الحج الجزائرية على عدم تكرار التسيب في التكفل بالحجاج بالنظر إلى المبلغ الكبير الذي يدفعه الحاج من جهة، واستمرار عدم المسؤولية من طرف البعثة في السنوات الماضية. وقد كثر الحديث عن ضرورة تحسين التكفل التام بالحجاج بدءا من الإقامة في الفنادق القريبة من الحرم، إلى تحسين الإقامة في الخيم في منى وفي عرفات. وقد وعدت السلطات الجزائرية هذا العام بأن يكون مميزا، خاصة أن تكلفة الحج وصلت إلى ما يقارب أربعة آلاف دولار، وهو مبلغ معتبر بالنظر إلى البعثات الأخرى.
وكان للقرار الإيراني بمنع حجاج إيران من الذهاب إلى الحج هذا العام أثره الكبير في الخطاب السياسي بين الرياض وطهران ومن يدور في فلكهما. وصاحب هذا في تبادل تهم حتى وصل الأمر بمفتي السعودية اعتبار الإيرانيين غير مسلمين، وتدرك الرياض التأثير الروحي والمرجعي لإيران في صفوف الشيعة في العالم بمن فيهم شيعة السعودية ودول الخليج، وهو ما يمكن أن يسفر عن زيادة التوتر في المنطقة، كما أن الحج أصبح مصدر قلق من عموم الحجاج، خاصة الفقراء منهم، بعد القرارات السعودية الأخيرة التي فرضت ثمن تأشيرة العمرة لمن سبق له العمرة أو الحج هو 2000 ريال سعودي، إضافة إلى رسوم أخرى يمكن أن تفرضها شركات الطيران.
ورغم كل هذا السجال السياسي والتباين في المواقف، يبقى ركن الحج من أركان الإسلام التي لا يمكن أن تعطلها السياسة، وتبقى دعوة أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام قائمة إلى يوم الدين "رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ".
خالد. ش

من نفس القسم الوطن