دولي

مؤتمر فلسطينيي تركيا .. قراءة في النجاح والتجربة الوطنية

القلم الفلسطيني

 

منذ اللحظات الأولى للتوافق على عقد مؤتمر فلسطيني جامع في تركيا، حددت أهدافه ووضعت الأطر العامة له، كانت السمة الرئيسة التي تميز بها المؤتمر قبل انعقاده وظلت ملازمة له طيلة أكثر من ثلاثة أشهر من الإعداد والتحضير وصولا إلى التنفيذ يوم الرابع من أيلول 2016، هي فكرة أن يكون المؤتمر عملا وطنيا فلسطينيا وحدويا، تجسد ذلك من خلال اللجنة التحضيرية للمؤتمر التي جمعت الفرقاء بغية إنجاز مشروع وطني يعود بالفائدة على الشعب الفلسطيني في تركيا، لذا كان الطيف الفلسطيني يخيم بظلاله على التحضيرات التي سبقت المؤتمر بإشراك الجميع في هذا الإنجاز الوطني الذي يخدم مصلحة فلسطينيي تركيا.

وبالمقابل كان السعي حثيثا للتأكيد على الربط بين فلسطينيي تركيا وقضايا الوطن، لهذا كان عنوان (مؤتمر فلسطينيي تركيا وقضايا الوطن)، فرغم الظروف الصعبة التي يعيشها فلسطينيو سورية والعراق في تركيا على مختلف الأصعدة الحياتية والقانونية والتعليمية والصحية، إلا أن اللجنة التحضيرية للمؤتمر سعت للربط بين الفلسطينيين في تركيا وقضايا وطنهم المحتل فيما يتعلق بحصار غزة والأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني وانتفاضة القدس المباركة والاستيطان وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم.

كخلية النحل على مدار أشهر العمل انتظمت اجتماعات اللجنة التحضيرية، صاحبَها التزام جميع الأعضاء بحضور اللقاءات وتقديم التقارير الدورية عن التكليفات المنوطة بهم، لجنة تحضيرية تعمل كالجسد الواحد تحدد الأولويات وتنجزها تباعا، لتنتقل إلى القضايا التالية لتنفيذها، ونوقشت كل التفاصيل من الضيوف المشاركين ومكان المؤتمر وتوقيته وبرنامجه وعرفاء المؤتمر والاحتياجات الإعلامية والقضايا اللوجستية، وشكلت كافة لجان العمل المطلوبة، ووزعت الدعوات لحضور المؤتمر. 

حتى وصلنا إلى يوم الجمعة 15-7-2016 آخر اجتماع للجنة التحضيرية، ليكون يوم السبت لتجهيز مكان انعقاد المؤتمر في جامعة يلدز تكنيك بإسطنبول، لكن "يا فرحة ما تمت" مساء الجمعة جرت أحداث الانقلاب الفاشل في تركيا، حالة من الإرباك أصيبت بها اللجنة التحضيرية؛ حيث كنا في قمة العمل والجهوزية، كذلك كانت الباصات التي تقل العائلات الفلسطينية من جنوب تركيا إلى إسطنبول قد انطلقت واصلة إلى مدينة أضنة، لم تتخذ اللجنة أية قرارات في الساعات الأولى للانقلاب وبعد تكشف الحقائق وانجلاء الغبار، أوعزت لجنة المؤتمر إلى العائلات القادمة من الجنوب بالعودة الى بيوتهم خشية عليهم، وفي صباح السبت (16-7) أعلنت اللجنة التحضيرية تأجيل المؤتمر حتى إشعار آخر، وذلك تضامنا مع مصاب الشعب والحكومة التركية.

وفعلا بعد ثلاثة أسابيع من الانقلاب أعادت اللجنة التحضيرية العمل لتنفيذ المؤتمر خاصة أنه أقيم معرض للكتاب العربي الدولي في إسطنبول وكان بادرة خير، وانطلقنا للعمل مجددا وشحذ الهمم وعادت الاجتماعات المنظمة للجنة واستكملت كافة الترتيبات للموعد الجديد في الرابع من أيلول والمكان في مركز أمين سراج الثقافي، وكانت فرصة لاستكمال وتطوير آليات المؤتمر وتشكيل لجان جديدة رافدة للعمل.

انطلقت فعاليات المؤتمر وقد تأخرت لنصف ساعة بانتظار حضور كافة الضيوف، حيث بث حفل الافتتاح عبر الأقمار الصناعية ونقل على قناة الجزيرة مباشر والقدس والأقصى، في حين غطت وسائل إعلام عربية وتركية فعاليات المؤتمر من برنامج الافتتاح وحتى ختام المؤتمر.

المتابع للصف الأول في قاعة المؤتمر الخاص بكبار الضيوف، لا يخفى عليه المشهد الوطني الفلسطيني الذي تحدثت عنه في بداية مقالي، ضيوف من كافة أطياف الشعب الفلسطيني كذلك العرض الذي أقامته مجموعة القدس الكشفية وهي تحمل صور الشهداء الشيخ أحمد ياسين وياسر عرفات وفتحي الشقاقي وأبو علي مصطفى عكست الروح الوطنية والعمل الجماعي الفلسطيني، وهذا المشهد طغى في حديث وسائل الإعلام المختلفة عن المؤتمر، وأصبحت هذه الصورة الوطنية العنوان الرئيس لدى وسائل الإعلام. سارت الأمور في فقرات المؤتمر بسلاسة مع بعض المنغصات التي لا يكاد مؤتمر ما يخلو منها، فعلى صعيد الإعلام واجهنا مشكلة ضعف جودة الانترنت في النشر الإعلامي على صفحات المؤتمر والبث المباشر عبر الفيس لكن بحمد الله تغلبنا على ذلك وكانت التغطية الإعلامية ناجحة من خلال النوافذ الإعلامية المتعددة للمؤتمر، وذلك وفق الخطة الإعلامية التي وضعت ليوم المؤتمر.

وأثمر المؤتمر في ختامه عن تشكيل الأمانة العامة لمؤتمر فلسطينيي تركيا، والتي ستكون مظلة جامعة للفلسطينيين، وتسعى لتنفيذ كافة التوصيات التي خرج بها المؤتمر على صعيد أوضاع الفلسطينيين في تركيا وهمومهم وخاصة النازحين من سورية والعراق، وكذلك التضامن مع قضايا الوطن والتمسك بالثوابت والحقوق الفلسطينية. نجاح مؤتمر فلسطينيي تركيا وقضايا الوطن في تجميع المؤسسات الفلسطينية ذات الألوان السياسية المختلفة، وتوحيد كلمتهم في خدمة أبناء فلسطين بتركيا، والحضور السياسي اللافت في المؤتمر يعتبر أنموذج وطنيا لا بد من الاستفادة منه ودراسة هذه التجربة الجديدة، وأن تكون محط اهتمام، وأن يعمل على نقل هذه التجربة إلى مختلف أماكن تواجد الشعب الفلسطيني؛ وذلك للخروج من الحالة السياسية المتأزمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.

 ماهر حجازي

من نفس القسم دولي