الوطن

الجزائر تعيش استهتارا بقيم الدولة وقوانين الجمهورية

محمد حديبي في حوار مع "الرائد"

 

يتحدث محمد حديبي من حزب النهضة، والناطق باسم "التحالف من أجل جزائر خضراء"، لقراء "الرائد" عن الفرص الضائعة التي فوتت على الجزائر إمكانية تبوأ مكانة متقدمة بين الأمم وأسباب التأخر الذي نعيشه مقارنة ببلدان حصلت على استقلالها بعد الجزائر. كما يعرض أسباب تأخر النمو الطبيعي لمسار الديمقراطية في الجزائر و"التنكر" للتيار الإسلامي "المُقصى" رغم ما قدمه من تضحيات في المسيرة الوطنية. ويعلل المتحدث هذه الزلات التاريخية بتقاطع رغبة فئة في التمسك بالسلطة وأجندات خارجية تعمل على تفكيك الجدار الداخلي الذي تحاول مختلف الأطياف إقامته للذود عن عزة الجزائر وكرامة الجزائريين والدفاع عن غنائم الحرب ومكاسب الاستقلال. كما يعرج ضيف "الرائد" على ضرورة ترسيم قانون تجريم الاستعمار الذي "يعد حلقة مفقودة لاستكمال السيادة الوطنية والذي من دونه لا مكان لأي مصالحة تاريخية ولا رجاء في اعتذار أو تعويض". 

 

"الرائد": ما تقييمك لمرحلة ما بعد الانتخابات من موقعكم كمسؤول في التكتل الأخضر على ضوء نتائجها سيد حديبي؟

 

امحمد حديبي: من الموضوعية أن نقول بأننا نمر بمرحلة التيه السياسي والمؤسساتي للدولة، نشعر وكأننا نمر بمرحلة النفق المظلم لـحاضر الجزائر التي أضحت تتحكم فيها الأمزجة الشخصية على حساب ثقافة تسيير الدولة ومستقبل غامض للجزائر كدولة عظيمة يشهد لها العدو قبل الصديق، خاصة في المنطقة العربية والأورو متوسطية والإفريقية. 

وكلنا نبحث عن مخرج - عبادا وبلادا – من هذا النفق الذي لا ندري أين ومتى نهايته. نتمنى أيضا أن لا يكون ما نعيشه يدخل ضمن تنفيذ أجندات خارجية لا تُرى آثارها إلا بعد فوات الأوان. لأن ما تعيشه الجزائر اليوم يُعد استهتارا بقيم الدولة وقوانين الجمهورية كمُمارسة الحيل وتدبير مغالطات للشعب لإبعاده عن ممارسة حقوقه في مؤسساته الرسمية من خلال ما تم الاصطلاح عليه بـ"مهزلة" الانتخابات الأخيرة. انتخابات دعت السلطة لها مراقبين أجانب كإجراء احتياطي لإضفاء شيء من النزاهة على غرة من الطبقة السياسية كإجراء لم نطلبه. 

 

وهل أصبحت في رأيكم "الأجندة الخارجية" أو "اليد الخارجية" قدرا محتوما على واقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي ومشجبا نعلق عليه النكسات والخيبات الوطنية؟

 

- للأسف موقع الجزائر الإقليمي-الجيو استراتيجي أين تتقاطع ثلاثية الأبيض المتوسط والبعد العربي والعمق الإفريقي هو الذي جعل "اليد الخارجية" موجودة دائما، تحاصرنا وفق أجندة خدمة لمصالحها و"حلب" الموارد الاقتصادية بأبخس الأثمان. وعليه أصبحت ثروات البلاد كالبترول والغاز ومعادن نِقمة على التحول الديمقراطي في الجزائر بدل أن تكون نِعمة على الجزائريين أو وسيلة لازدهارهم ورقيهم العلمي والاجتماعي. فالمورد الاقتصادي رهن القرار السياسي الجزائري بين أكفة الأيادي الخارجية وأصبح الغرب لا يهمه التحول الديمقراطي ولا العدالة الاجتماعية أو حقوق الإنسان في الجزائر وفي غيرها. كما لا يهمهم انعكاس منافع الثروات على التنمية الشاملة بقدر ما يهُمه تحقيق أهدافه والانتفاع قدر الإمكان بالمكاسب وذلك بالعمل على رهن القرار الجزائري، بل كل ما يهمهم من يخدمهم أكثر في ظل هكذا وضع نعيشه. 

أعتقد أن لا مستقبل للجزائر إلا إذا تخلص الجزائريون من الاقتصاد الريعي البترولي الذي يُسيل لعاب الأجانب، حينها فقط لا يمكن للغرب الذي يحلب ضخات بترولنا ويحسب دقات قلوبنا ويتعقب خطواتنا أن يتدخل في شؤوننا الداخلية غير مبال بما يحدث في الجزائر ولا يقف حجر عثرة أمام التحول الديمقراطي في الجزائر الذي يصنعه أبناء الوطن دون غيرهم، حينئذ لا يمكن للغرب أن يساوم أو يبتز الجزائريين في شيء.

 

فيجب الذهاب إلى اقتصاد منتج لا تتحكم فيه الأيادي الخارجية ولا تتكالب عليه الأطماع الأجنبية، اقتصاد لا يتأثر بأزمات السوق العالمية التي هي تحت سيطرة الدول الغربية. علينا إقامة اقتصاد مستدام يعزز الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي والاستقلال الوطني. 

 

وكيف تنظرون لمستقبل الجزائر بعد مرور خمسين سنة على الاستقلال وسط تقلبات عالمية وتطورات إقليمية على وقع تزايد الضغوطات من حولنا، وهل لكم قراءة موضوعية للإنجازات والمكاسب على مستوى حزبكم أو على مستوى التكتل الأخضر خارج الخطابات المناسباتية وبيانات الطعن والنقد؟

 

- هي خمسين سنة من الفرص الضائعة صنعها نظام يحكم الجزائر بثقافة الإقصاء والتهميش. وهو من ضيع على الجزائريين فرصا ذهبية لو أحسنا استغلالها كنا سنكون في مكانة اليابان أو الكوريتين أو كوبا لأننا نملك مقومات النهضة الحضارية من ثروات طبيعية وبشرية على أرض خصبة وطاقات متجددة. وبدل ذلك، وجدنا دولة تستورد الغذاء والدواء بعد نصف قرن من الاستقلال، بأكثر من أربعين مليار دولار سنويا. نستورد للغذاء ما قيمته أربعين ميزانية دفاع سنوية لأربعين دولة إفريقية. كما نتأسف لكون الأمراض المستعصية التي وجدت في الجزائر أرضا خصبة تزيد من ثقلها على الخزينة. فهل يعقل أن نستورد أكثر من عشرة ملايير كفاتورة غذاء وحسب بعد ما كانت الجزائر هي المورد الأساسي لغذاء الأوروبيين في ماضٍّ غير بعيد. 

 من المسؤول عن ذلك، هل هي النهضة أو التكتل الأخضر؟ أم هي السلطة التي كرست الرداءة ورهنت الجزائر وثرواتها للخارج من خلال أحزابها الكرتونية التي تنقذها في كل مرة بعمليات انتخابات قيصرية ! هل يعقل بعد خمسين سنة من عمر المنظومة التربوية والجامعية والبحث العلمي تجدنا نستورد 11 مليارا من الخبرات الأجنبية والاستشارات والدراسات التي تمول بها الجامعات الأجنبية، في حين لا يخصص لجامعاتنا سوى 3 ملايير دولار سنويا!

أيعقل أن مبلغ استيراد الجزائر بكل أشكاله بلغ سقف 47 مليار دولار حسب ما أعلن عنه رسميا، وأنا أشك في هذا الرقم الذي أظنه أكثر من ذلك بعشرة ملايير دولار على الأقل. وهو نفس المبلغ لواردات مِصر الـ90 مليون نسمة، في حين الجزائر 36 مليون نسمة فقط. من يقبل هكذا مقاربة، فلابد أن يفهم الجميع أن هذه الحال لا يمكن أن تستمر على هذا النحو.

وأين وصلتم في مشروع تجريم الاستعمار الذي بادرتم به مع ثلة من نواب جبهة التحرير الوطني والجبهة الوطنية الجزائرية خلال العهدة البرلمانية السابقة، أأحبطته أيادٍّ خفية؟

- المشروع الذي بادرنا به، نحن نخبة من أبناء الشهداء وأبناء المجاهدين والوطنيين الصادقين، تم إحباطه من طرف حزبي السلطة اللذين أفسدا الإرادة السياسية النابعة من الرغبة العميقة في استرداد ركائز مفقودة من السيادة الوطنية المسلوبة جزئيا. فالتحالف الرئاسي تحول لجهاز يُتحكم فيهما عن بعد ولم يعودا يملكان ناصية سياستهما ولا الجرأة أو الشجاعة الكافيتين على قيادة الشعب للتحرر والإنعتاق من رواسب التبعية. 

 

لكننا في المقابل سنبقى نناضل، في إطار العائلة الثورية مع كل الغيورين على سيادة الوطن واستقلاله المنقوص. ولن نسكت حتى يتم إخراج المشروع التاريخي من أدراج النسيان المبرمج وتمريره لترسيمه لأنه إرث تاريخي مشترك لكل الأمة وليس حكرا على فئة دون أخرى. إرث ورثناه عن الشهداء الذين توارثوه بدورهم عن رسالة نوفمبر. 

لن نسكت على محاولات طمس الذاكرة وسياسة الهروب للأمام. سنواصل النضال حتى تتحقق غاية من قضوا نحبهم فداء لأجل وطن حر وسيد ودفعوا لأجله النفس والنفيس ورفعوا رايته. ونحن متأكدون أن هذا الملف يعد 50 % من جملة عوامل حل معضلة الجزائر التي تراكمت آثارها على مدى خمسين سنة. 

حاوره طارق مروان

 

من نفس القسم الوطن