دولي
تفتيت الشرق الأوسط
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 03 سبتمبر 2016
يروم الإعلام العبري الترويج أن العرب أنفسهم هم الذين شرعوا خلال السنوات الأخيرة في عملية تفتيت، يمكن افتراض أنها ستنتهي بتقسيم بعض الدول العربية إلى عدة دول، ما سيؤدي إلى نشوء كيانات جديدة في منطقتنا، وأن تتخذ منطقة الشرق الأوسط شكلًا جديدًا سيلازمها سنوات طويلة.
يتمثل أحد إسقاطات "الربيع العربي" في أنه عمّق التمزق في المجتمع العربي، ووسّع هوة الشقاق بين المتدينين والعلمانيين، وبين رجالات الدولة والقوميين المتطرفين، وبين السنّة والشيعة؛ فالصراعات التي تولّدت من عمق النزاعات المتواصلة في بعض الدول سوف تؤدي إلى تقسيمها في نهاية المطاف، طبقًا لتقديرات خبراء في العالم العربي، كما يزعم الإعلام العبري، وبحسب المزاج العام المنعكس في المدونات ووسائل الإعلام التي تعالج الموضوع، صحيح أنها تقديرات فحسب، لكن أصبح من المعروف أن الشرق الأوسط غدا لغزًا مثيرًا تبدو أي محاولة للتكهن بمصيره أكثر إثارة في حد ذاتها.
أفضى الانقلاب على الرئيس محمد مرسي إلى قيام سلطة دكتاتورية في هذا البلد، وإلى نشوب صراعات قوة بين "الإخوان المسلمون" من جهة ومؤسسة الدولة الرسمية من جهة أخرى، في ظل الاعتداءات المستمرة على أبناء الأقلية هناك، أي الأقباط، وقياسًا على الوضع الراهن يبدو أن تغييرات كبيرة وعميقة سوف تحدث في مصر، وبدعم وتشجيع من سلطات الدولة الرسمية في مصر هناك اليوم موجة هجرة سلبية من شبه جزيرة سيناء إلى داخل مصر، وليس في سيناء أي رمز من رموز الدولة السيادية، وإنما مناطق عسكرية فقط. وعلى ما يبدو ستقسم ليبيا أيضًا إلى ثلاثة كيانات: سوف يستولي مؤيدو ثورة 17 شباط (فبراير) الذين حاربوا نظام الرئيس السابق معمّر القذافي على الجزء الغربي من البلد، ويستولي الجنرال خليفة حفتر على الجزء الشرقي منه، ويقع الجزء الجنوبي منه تحت سيطرة عشرات القبائل البدوية، ومن المتوقع أن يقيموا فيه دولة القبائل.
وأصبحت الدولة اللبنانية مقسمة فعلًا بل شلّاء تمامًا تقريبًا، فالإيرانيون بدعم من حزب الله يحولون دون انتخاب رئيس مسيحي ماروني يحظى بإجماع تام من جانب الشعب، وفي الوقت عينه تتجه الأمور نحو وضع الجنوب تحت سيطرة حزب الله، ويدير الدروز حياتهم في المناطق الجبلية كعادتهم منذ مئات السنين، ويسيطر المسيحيون على المنطقة الممتدة من شرق بيروت حتى طرابلس، ويسيطر السنّة على طرابلس وأجزاء واسعة من العاصمة. وفي إثر انهيار نظام صدام حسين وخروج الولايات المتحدة من العراق تفجرت النزاعات وصراعات القوة بين السنّة والشيعة، في شمال البلد، في إقليم كردستان أربيل ستقام دولة كردية، وستقام دولة الشيعة في منطقة البصرة، وسيسيطر السنة على العاصمة بغداد وعلى الموصل والفلوجة.
أما السودان واليمن فقد قسما في الماضي البعيد والقريب؛ ففي جنوب السودان أقيمت جمهورية عاصمتها مدينة جوبا، وبقي الشمال تحت سيطرة الرئيس عمر البشير، وتتحدث الأنباء اليوم عن احتمال قيام دولة ثالثة في إقليم دارفور، واليمن هي الدولة التي كانت مقسمة طوال عشرات السنوات ثم توحدت سنة 1990م، أما اليوم في إثر فشل الثورة استغل الحوثيون حالة الفراغ السياسي لإقامة كيان شيعي في جنوب البلد، أما السنّة فسيبقون في المناطق الشمالية قريبين من الجارة المسانِدة العربية السعودية. لم تكن هذه أحوال الشرق الأوسط قبل نحو 20 سنة، لقد أثبت الواقع أن الاستقرار في الشرق الأوسط بعيد المنال، لكننا في الوقت نفسه لا يمكننا تبرئة كيان الاحتلال من الضلوع في مشاريع التفتيت المستمرة منذ ذاك الوقت، فالمستفيد الأول والأخير من هذه العملية كان -ولا يزال-كيان الاحتلال، الذي يرى في أي دولة عربية خطرًا داهمًا، ويريد أن يتحول إلى أكبر كيان بين فتات الكيانات التي يعمل على تفتيتها، لا ريب.
هشام منور