الوطن

أحزاب تبرر وأخرى تنتظر التعامل مع إرهاب قادم !!

بعدما اكتفت بالإدانة وابتعدت عن المبادرة والمقترحات

رغم ما تشهده الساحة العربية والإسلامية والدولية من أحداث أمنية عصيبة ساهمت في تحول عميق في الخطاب، بل حتى المنظومة القانونية لكثير من الدول والمجتمعات، بما فيها الدول الغربية التي ذهبت بعيدا في مكافحة الإرهاب لدرجة الاعتداء على الحريات الخاصة ومضايقة المواطن في حركته وتحركاته، وما تشهده المطارات العالمية الكبرى دليل على حقيقة التحدي الأمني والتهديد الذي يمس عموم المجتمعات، إضافة إلى استمرار العمليات الإرهابية في بلادنا عبر استمرار نشاطات بعض المجموعات على قلتها، إلا أنها مع وجود إرهاب منظم مدعوم ومستغل ومبرمج على حدودنا الجنوبية والجنوبية الشرقية، كل هذا استدعى استنفار كبيرا، أمنيا وعملياتيا عسكريا، لمواجهة هذا التحدي الحقيقي، كل هذا لم يحرك الخطاب السياسي ولم يفرض على القوى السياسية أي محاولة للتكيف مع هذا الوضع سواء في الخطاب أو المبادرات أو حتى الاقتراحات.

جل الأحزاب السياسية في الجزائر سواء في المعارضة أو السلطة تكتفي بالإدانة للعنف في حالات الحوادث، وبعضها يدين ما يحدث خارج الحدود ويسكت عما يحدث داخل البلاد. ومع محاولة الاستطلاع الأولية، بعض الأحزاب تتعمد عدم الحديث عن الوضع الأمني بحجة أن السلطة تستعمله لتخدير الشعب وتوظف الظرف الأمني لخدمة استقرار النظام واستمرار البعض في السلطة، على حسب تعبيرهم. ولهذا يرون أن الحديث عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي أكثر فعالية وأهمية وأولوية من الحديث عن الأمن، في حين تكتفي الأحزاب المشاركة في الحكومة، على غرار باقي أولويات الحكومة، على دعم ما يأتي في تصريحات ومواقف الحكومة دون الخوض في التفاصيل ولا حتى المقترحات.

مثل هذا الوضع يمثل عقبة حقيقية أمام استمرار حالة الاستقرار في البلاد، وهو ما يستدعي الاستدراك المستعجل في التعامل مع هذه الظاهرة غير الطبيعية من خلال توعية القوى السياسية عبر الحوار والتواصل، كما كان يحدث في فترة التسعينيات، وأن تتولى القوى السياسية مهمتها في إعطاء البعد الأمني حيزا يتلاءم مع أهميته في خطابها السياسي وفي تحركاتها الشعبية وفي تفعيل المقترحات والآراء عبر المؤسسات الحزبية المختلفة، وعدم الخلط بين استعمال بعض الأطراف في السلطة موضع الأمن للحسابات الضيقة وبين واقعية التهديدات وحقيقة وجود خطر يداهم المجتمع وكل مكوناته.

ما يحدث في المجتمعات الديمقراطية يبين أن عملية إرهابية واحدة من شأنها أن تثير حالة هلع كبيرة في المجتمع وتخلف وراءها حزمة كبيرة من قوانين جديدة تؤثر على الجميع، وعدم المبادرة يمكن الدولة من السيطرة من جهة وفرض هيبتها على جميع رقعتها الجغرافيا من جهة أخرى، وهو ما يعد تأخرا بل نوع من التراخي غير المبرر. فكيف ببلادنا التي تؤكد كل التقارير الأمنية والإعلامية وشواهد كثيرة على وجود برامج في تمدد العمل الإرهابي، خاصة بعد الحملات العسكرية الدولية في ضرب الجماعات الإرهابية في ليبيا، ما يفرض عليها التمدد جنوبا في بلادنا، كل هذا الوضع لم يحرك القوى السياسية في إدراك خطورة الوضع.

إن إبقاء ملفات كثيرة دون مراجعات وتصحيح للأخطاء على غرار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، والذي ساهم بشكل كبير في عزل الجماعات المسلحة من جهة وإقناع الكثير من الإرهابيين بالعودة إلى المجتمع، ونزع وفكك بل قلص حجم تأثير الخطاب الداعم للإرهاب. مثل هذا القانون يفترض أن يكون إحدى الأدوات السياسية المهمة في تثبيت الاستقرار الأمني، ثم إن موضوع تفعيل المجتمع عبر اليقظة وتثبيت الردع الاجتماعي لمن يتحول للإرهاب مهمة حزبية بامتياز، يستفيد منها المجتمع والأحزاب والسلطة، ولا معنى للعمل السياسي الحزبي ما لم يستطع أن يفرض قناعة لدى الرأي العام بأهمية بل وحدوية خيار التغيير السلمي لدى عموم المجتمع والشباب بصفة خاصة.

القضية الأبرز في الجزائر أن الشعب أكثر وعيا من القوى السياسية خاصة في موضوع العنف، لأنه كان الضحية الأكبر في فترة التسعينات وولدت لديه مناعة حقيقية، رغم إدراكه للخلفيات السياسية سواء كانت حزبية أو سلطوية، إلا أنه لا يرغب في المغامرة بأمنه واستقراره مرة أخرى، وهو ما يجعل من الموضع أحد أهم محاور الاستقطاب في الخطاب الانتخابي في الفترة القادمة خاصة في الاستحقاقات القادمة.

خالد. ش

من نفس القسم الوطن