دولي
ليبرمان ونظرية "الحسم"… ونتنياهو و"تغليف الغابة"!
**القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 28 أوت 2016
في أول حضور له كوزير حرب في حكومة الكيان الصهيوني أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، حمل أفيجدور ليبرمان معه نظريته المعروفة والتي لطالما نادى بها وقدَّم لها قائلًا: إنها «المرة الأولى التي أتواجد فيها هنا كوزير للدفاع.
وأنوي الحضور هنا كوزير للدفاع لسنوات قادمة، وآمل أن يكون ذلك لسنوات كثيرة»، وبما أنه، وانسجامًا مع رؤيته المعروفة للصراع، وبالتالي، ما سوف يطبِّقه في سياق مسؤوليته الجديدة، «ليست هناك سياسة رد، بل سياسة هجوم ومبادرة»، فإن «أي مواجهة ينبغي أن تنتهي بالحسم».
وضرب مثلًا: إن «المواجهة مع غزة حتمية ويجب أن تكون الأخيرة». بعيدًا عن كل ما تحفل به ساحة المزايدات والمناكفات في المستوى السياسي الصهيوني ذي الغلبة المغالية، والتي ازدادت وستزداد غلوًّا وعدوانية بالتوازي مع تفاقم حالة الانحدار العربية، والتي ليس ليبرمان إلا مجرَّد فارس من فوارسها وواحد من بين كثرة ممن هم يبزونه غلوًّا فيها، بل ولعله يبدو أحيانًا حملًا وديعًا بينهم، فإنه هنا لم يأتِ بجديد أو غير معهود، لا من عنده ولا بالنسبة لمن يستمعون إليه في اللجنة التي مثل أمامها، أو من يستمعون له خارجهًا ممن يمثلهم ويمثِّلونهم.
الفرق فحسب هو في نسبة الوضوح وأسلوب التعبير عن ذات المضمون عند هذا أو ذاك، أو منسوب الغطرسة ومدى رفع مستوى وتائر الصراخ واقتناص فرص توظيفه داخليًّا، أو القدرة على صرف فواتيره انتخابيًّا لدى جمهور استعماري استيطاني عدواني بطبيعته ولا يقل غلوًّا عن حاكميه الذين هو من يختارهم…مثلًا الوزير التهويدي الأوقح والأشهر فاشيةً نفتالي بينيت، رئيس كتلة «البيت اليهودي» في الكنيست، يخاطب الجمهور الصهيوني في ذكرى حرب 1967 واحتلال الضفة الغربية قائلًا: «علينا كل يوم إعادة تحرير القدس»!
ما قاله ليبرمان المتغطرس المتوعِّد إبان مثوله مؤخرًا أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، ردده رؤوفين ريفلين رئيس كيان الاحتلال من بعده بما لا يزيد عن يومين، في مناسبة إحياء الصهاينة لذكرى مرور عقد على قتلى جيشهم في حربهم العدوانية على لبنان في العام 2006. قال ريفلين ما قال بمثله كل من سبقه من قادتهم منذ أن كان الكيان، من بن جوريون وحتى نتنياهو، إنه «إذا فرضت علينا حرب مقبلة (وهم دائمًا البادئون بالعدوان وبالتالي من كانوا يفرضونها)، فلن يكون أمامنا خيار سوى الانتصار». نعم، هذا الكلام في أحد وجوهه هو تعبير فج عن إحساس متغطرس بفائض قوة زائدة عن الحد، فالكيان الثكنة المدججة حتى الأسنان يختصر في آلة حربه الهائلة كل ما توصلت إليه عقلية الموت الجهنمية الغربية الاستعمارية من تطور وسبل فتك، إلى جانب واقع عربي وآخر فلسطيني لا من جدال ولا من خلاف في أنهما الأردأ والأسوأ والأكثر كارثية في تاريخ أمتنا، بحيث يستدعيان ويشجعان كل ما لدى الصهاينة من عتو وفجور وعدوانية حاقدة لا تجد من يعترضها أو يوقفها، لا سيما وأن هذه العدوانية تحظى برعاية تواطؤ دولي لا ترى مدللته له حدودًا منظورةً… لكنما في وجهه الآخر هو تعبير مرضي عن إحساس قاتل بالهشاشة وترجمة لفوبيا وجودية متأصلة يفاقمهما ويذكي هواجسها أمران: يقين راسخ بأنهم فعلًا لا يحتملون مجرَّد هزيمة واحدة، وإدراك مسبق لما ستمليه مآلات الصراع التناحري التي تشي بحتميتها أحكام التاريخ وتؤكدها سلفًا حقائق الجغرافيا، أو الأمر الذي، ومهما طال الزمن، لن يكون قطعًا، وطال الزمان أم قصر، في صالح كيانهم الاستعماري المفتعل ووجودهم الغريب الطارئ.
يدرك الصهاينة أكثر من سواهم أن وقت الحسم، أو الانتصارات السريعة السهلة وقليلة الكلفة، مهما ساءت الأحوال العربية، قد ولَّى وذهب إلى غير رجعة. وهم إذ لا يقدمون أصلًا على ما هو في غير مقدورهم، أي على الحروب التي قد تطول، لم تعد حروبهم بالقصيرة ولن تكون. في لبنان، الذي يحيون هذه الأيام ذكرى قتلاهم في آخر حروبهم العدوانية عليه، وفي غزة التي يتوعدها ليبرمان، لُقِّنوا دروسًا قاسية ليس بوسعهم أن ينسوها، وهم من حينها لا ينفكون يتوقفون أمامها ويتدارسونها بجدية ويجترون عثراتها ولا ينكرون مراراتها. من أول هذه الدروس، أن اندحارهم المشهود أمام ضربات المقاومة اللبنانية وانكفاءهم الهارب المهين من جنوب لبنان عام الألفين، كان يعني لهم إيذانا صريحًا بنهاية قدرتهم على التوسع، أو احتلال المزيد من الأرض والتمكُّن من البقاء فيها.
وثانيها، أن فشلهم في حربهم التدميرية على لبنان في مثل هذا الشهر من العام 2006 وحروبهم الدموية الإبادية المتكررة على غزة في تحقيق أهدافها الرامية لكسر إرادة المقاومة لدى الشعبين العربيين، قد أثبت لهم محدودية القوة وعجزها مهما امتلكت من وسائل الدمار والإفناء في فل إرادة المقاومة الشعبية الممتلكة لإرادة الصمود، وبالتالي الاستعداد لبذل أسمى آيات التضحيات التي تقتضيها ضرورة المواجهة … وعليه، أما وقد عز حسم ليبرمان فما الذي يتوافر لنتنياهو وصهاينته سوى ما دعاه بسياسة «تغليف الغابة»… والسؤال بالتالي هو: وهل له من سبيل لتغليف غابته والفلسطينيون باقون ويصمدون ويتوالدون ويواجهون رغم أنفه في أحشائها؟! ثم من قال إن مثل هذه اللحظة العربية المدلهمة سوف يطول قتامها؟!