دولي
مصر والفلسطينيون الأربعة
**القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 27 أوت 2016
قبل القيل والقال بشأن الأربعة، ياسر زنّون وحسين الزبدة وعبد الله أبو الجبين وعبد الدايم أبو لبدة، والمرجّح إلى حد التأكيد أن سلطات العسف المصرية تحتجزهم منذ عام، إنهم عناصر في حركة حماس، ومن كتائب عز الدين القسام ربما، قبل ذلك، هم مواطنون فلسطينيون، يلحق العار الساطع جداً بالسلطة الوطنية، رئاستها وحكومتها وكل مسؤول فيها، إذ تتجاهل مسألة اختفائهم، لمّا كانوا في حافلةٍ مصريةٍ تعبر أرضاً مصريةً من رفح إلى مطار القاهرة.
يزيد من فضائحية هذا العار أن "حماس" وحدها التي تدبّ الصوت عالياً بشأنهم، وتبحث في أمرهم في اجتماعاتٍ مع مسؤولين في المخابرات المصرية، حيث تصرّ، ومعها ذوو الشبان الأربعة وقطاعاتٌ في المجتمع المحلي في غزة، أن قوةً مصريةً اختطفتهم من الحافلة، واقتادتهم إلى مكانٍ مجهول، وتتعمد القاهرة إخفاء مصيرهم. وفيما تنفي الحكومة المصرية ذلك، فإن القرائن على أرجحية عملية الخطف وفيرةٌ، جديدُها أخيراً نشر صورةٍ يظهر فيها اثنان من الأربعة في مبنىً، قيل إنه للأمن الوطني المصري في لاظوغلي في القاهرة.
وأياً يكن الحسم في هذا الأمر، فإن مسؤولية مصر في شأنهم مؤكّدة، طالما أن أربعتهم كانوا يمرّون في الأراضي المصرية في الحافلة، بعد ختم معبر رفح المصري أوراقهم وجوازات سفرهم. ليست السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله معنيةً بهؤلاء الشبان، وكذا السلطة الحاكمة في القاهرة، فهم ليسوا أميركان أو روساً أو فرنسيين، حتى يُكتَرث بقصتهم، وتتشكّل لجان تحقيق عليا ومشتركة في خصوصهم. وفيما يُقدّر للهيئة المستقلة لحقوق المواطن (في فلسطين) تأكيدها المسؤولية الأمنية للسلطات المصرية عن مصيرهم، وقولها إن عملية اختطافهم من الحافلة قد تصل إلى اعتبارها "اختفاءً قسرياً بالمعنى القانوني المتكامل"، فإن المتابع لقضيتهم يلحظ صمت التشكيلات الحقوقية المصرية المدنية بشأنهم، وهذا عادي، عندما يُعرَف أن أغلب هذه الهيئات خرساءُ بشأن مقتل أزيد من ثلاثمئة مصري في سجون عبد الفتاح السيسي في نحو ثلاثة أعوام.
وحتى لو صدّقنا، إجرائياً وبدافع حسن الظن مؤقتاً، عدم إقدام الأمن المصري على خطف الشبان الأربعة، فإن هذا الأمن، ومعه الجيش المصري، هما المطالَبان بالبحث الجدّي عنهم، وإعلان الحقيقة بشأنهم.
عطفاً على البديهيات أعلاه، إذا صحّ ما نشرته، أخيراً، صحيفة الرسالة (التابعة لحركة حماس) عن خمسة مطالب طرحتها المخابرات المصرية على وفدٍ من الحركة، في اجتماع في القاهرة، قبل أسابيع، لا بد من تلبيتها قبل تقديم أي معلوماتٍ عن الشبان الأربعة، إذا صحّ ذلك، فإننا نصير أمام عصابةٍ تمارس ابتزازاً مرذولاً، وليس جهازاً أمنياً مهنياً يتبع دولةً حقيقيةً (قال السيسي إن مصر شبه دولة!).
ويرمي صاحب هذه الكلمات عباراتِه هذه، هنا، وهو في أسفٍ شديد، والمشتهى ألا يصحّ ما نسبته الصحيفة الحمساوية إلى مصادرها المسمّاة، ومنه أن تسلّم الحركة النافذة في قطاع غزة القاهرة أشخاصاً تتحدّث الأخيرة عن تورّطهم في عمليات عنف في سيناء، تقول المصادر إنه ثبت عدم وجودهم في السجل المدني الفلسطيني، وأن تسلّم أيضاً مصريين تبيّن أنهم غير موجودين في غزة، وأن تشارك حماس في النشاط الأمني ضد "داعش" في سيناء. وبكل حذرٍ لازم، ومع تمنّي عدم صدق هذا كله، فإن الرهان ما زال باقياً على بعض الحكمة والعقل لدى الأجهزة الأمنية المصرية المختصة، فتبادر إلى جلاء حقائق هذا الموضوع بالشفافية الواجبة، فالشبان الأربعة طلاب وموظفون وعاملون، ولهم أسرهم، وكانوا مسافرين إلى خارج مصر لشؤون عائليةٍ وخاصة.
معيبٌ أن يتبرع زملاء إعلاميون مصريون، بكيفيةٍ كاريكاتيرية، للدفاع المجاني والمرتجل عن أجهزة المخابرات في بلدهم، بشأن هذه القضية الإنسانية الخالصة، والتي تجرح الدولة المصرية في اعتباريّتها. ومعيبٌ أكثر إهمال تكوينات مدنية وأهلية فلسطينية عريضة هذه القضية الحسّاسة، والجسيمة في كل تفاصيلها، المصرية المخابراتية لا غير.
معن البياري