الوطن

"دولة القانون هي الرادع لنفاق السياسة"

الباحث في علم الاجتماع السياسي، زبير عروس، في حوار مع "الرائد":

اعتبر الباحث في علم الاجتماع السياسي، زبير عروس، أن ظاهرة تحول المقابر والتعازي إلى مكان للقاء الساسة والشخصيات واستغلالها سياسيا، هي "ظاهرة تدخل ضمن الإطار العام لوظيفة الدين في المجتمع، وكذا مناسبة اجتماعية لقضاء المصالح الاقتصادية والسياسية وغيرها"، وأضاف "هي ظاهرة لا تخص الجزائر فقط بل حتى في الدول الأوروبية والعربية نجد أنها مناسبة لقضاء المصالح وحل الخلافات والنزاعات وتوظيفها سياسيا"، لافتا إلى أن "استغلالها في الجزائر صار سلبيا لاعتبارات كثيرة، أهمها غياب دولة القانون وتكريسا لنفاق السياسة وطموحات المتملقين".

مؤخرا لاحظنا تحول المقابر وأوقات التعازي إلى فرص للقاء الساسة بالمسؤولين، بينها لقاء سلطاني مع شقيق الرئيس بوتفليقة ومستشاره، ولقاء أحد قياديي الجماعات الإسلامية المسلحة مع رجل الأعمال علي حداد، ولقاء بلخادم مع أشقاء الرئيس، هل صار هذا السلوك ظاهرة؟

 هذا السلوك يدخل ضمن الإطار العام لوظيفة الدين في المجتمع الجزائري، وهو ما جعل الواجب يتحول إلى قضايا سياسية واقتصادية على مستوى الأفراد، ونحن نرى أن التعازي تقدم لوجه الأحياء ومكانتهم وليس حبا في الفقيد واحتراما له، وفي الجزائر تطور هذا السلوك حتى صار ظاهرة في توظيف الدين لمصالح اقتصادية واجتماعية وسياسية، مثلها مثل استغلال المناسبات الكبرى في التوظيف السياسي للأحزاب والحكومة وغيرهم.

هذا السلوك في الجنائز يعتبر تبريرا للقاء الآخر المخالف أو صاحب المصلحة وهو ممارسة اجتماعية ذات طابع مصلحي ونجدها في كل المجتمعات والأفراد.

  عندما تتحول المقابر إلى أماكن يلتقي فيها بعض الساسة خاصة المغضوب عليهم بالمسؤولين، ما هي دلالات هذا التوجه أو السلوك؟

 هذه اللقاءات يمكن أن نطلق عليها "لقاء مصالح أو لقاء عمل"، وهي تهدف لقضاء المصالح وحل النزاعات، والمجتمع الجزائري كان يسميها إصلاح ذات البين ولها أهداف اجتماعية لتوطيد العلاقات، لكن حاليا توسعت إلى أهداف سياسية واقتصادية حتى أن أشكال التعازي وحضور الجنائز تغيرت وصارت تقاسيم الوجوه لا توحي بالحزن واحترام الأماكن المتواجدين فيها، إنما هناك فقط علامات التشوق لمصافحة ذوي الحاجة والمسؤولين.

  لكن المستثمرين لمثل هذه اللقاءات في وسط المناضلين ونظرائهم، ما هي الرسائل المستنبطة من تأثير هذه الصور في تعاملاتهم مع عموم الناس؟

 هؤلاء الذين يصطفون في الصفوف الأولى ويسارعون للمصافحة وأخذ الصور واستغلالها إعلاميا، يحاولون جعل المجتمع ووسائل الإعلام تتعاطى مع اللقاء سياسيا، وهي تحاول بذلك تمرير رسائل بأن دائرة المصالح لا تزال في استمرارية من خلال تلك الصور مع ذوي المصالح.

ولا نجد هذا السلوك فقط في الجزائر، فكثير من رموز السياسة في كل العالم تحاول الظهور في صورة غير تلك المتعلقة بالثقافة الدينية والاجتماعية لمجتمع ما.

  ما هي البدائل المقترحة لتجاوز هذه الظاهرة ولجعل الجنائز للتعازي فقط بعيدا عن الاستغلال السياسي لها؟

 من الصعب التخلص من هذا السلوك لدى الأفراد، سواء سياسيين أو عاديين، لكن يمكن نزع هاته الوسيلة أو الأداة التي صارت ثقافة للوصول إلى المبتغى السياسي والمصلحي، ويمكن ذلك بنشر الوعي العام وتحويله عن جعل المصلحة مرتبطة بهذا السلوك.

أما من جانب السياسيين، فلا يمكن توقيف هذا السلوك لديهم سوى بدولة القانون واقتناعهم بأن المصالح الاقتصادية والسياسية ترتبط فقط بالقانون بعيدا عن المحسوبية، كما أن تفشي هذا السلوك في الجزائر مرتبط بغياب دولة القانون.

سأله يونس. ش

 

من نفس القسم الوطن