الوطن

الجنائز فرص للمتسلقين في السياسة والمصالح

وظفوها سياسيا ومصلحيا ونزعوا قيمتها الدينية

تعتبر الجنائز من المناسبات التي تميز المجتمعات الإسلامية عموما، يعبر فيها المجتمع عن قيم التضامن والتكافل، كما تكون دوما مناسبة لتناسي الأحقاد وتجاوز الأخطاء والاعتبار بالميت والموت، وأن الدنيا دار فناء، ولهذا تجد كثيرا ما تكون الجنائز فرصة لإصلاح ذات البين ويظهر فيها المجتمع كل أشكال التعاطف المادية والمعنوية، وفي بعض المناطق في بلادنا تستمر دار العزاء لأسابيع متتالية ويتكفل الأهل والأصدقاء والأقارب بكل تكاليف العزاء، كالتزام اجتماعي مع أهل الميت، إلا أن هذا الوضع أصبح يشهد في الفترة الأخيرة توظيفا سياسيا مقيتا من خلال استغلال هذه الفرصة واصطياد الضيوف بالصور ونشرها بعد ذلك في مختلف الوسائط الاجتماعية.

ولم يبق لبعض ممارسي السياسة وخاصة بعض المتحزبين منهم وبعض سماسرة الأعمال، حتى لا نقول رجال أعمال، إلا انتظار جنائز الرسميين والتقاط صور مع أصحاب النفوذ والشخصيات المهمة واستعمالها في التأثير وإيهام المناضلين والباحثين عن الثروة بالواسطة، بإمكان هؤلاء الأشخاص من الوصول إلى أصحاب القرار وتركهم يستنبطون أنهم مدعومين، بل أن بعضهم يصل إلى حد صياغة سيناريوهات وحوارات دارت بينه وبين من وجدهم، وأصبحت هذا الممارسات تنطلي حتى على بعض المسؤولين والإداريين، أمام حالة الخوف والقلق وعدم الوضوح، إضافة إلى وجود حالات من الإقالات بالأمزجة أحيانا، ما جعل هذه الظاهرة تتوسع وتفرض على أصحاب النفوذ أخذ الحيطة والحذر وأحيانا التغيب عن هذه المآتم حتى لا تستغل بالشكل الذي تدار به في هذه الفترة.

وقد عرفت صفحات الفيس بوك الكثير من هذه الصور التي أردا أصحابها تبليغ رسالة بأنهم مدعومون وأنهم وسطاء لأحزابهم أو منظماتهم، أو أحيانا مكلفون بالمناولة لبعض المسؤولين وأنهم يملكون القرار من أجل الوصول إلى المشاريع المختلفة. ورغم أن الظاهرة، كما يشير بعض المتخصصين في علم الاجتماع، ليست جزائرية فقط بل منتشرة في كل أنحاء العالم، إلا أن الاتجاه الذي أخذته في بلادنا أصبح يقلق ويهدد حتى القيم الاجتماعية، خاصة في هذه الفترة التي تشهدها البلاد والمتمثلة في التحول السياسي والأزمة الاقتصادية والمالية التي لا مناص من إظهار كل أشكال التضامن من أجل مواجهاتها.

إلا أن مثل هذه الظواهر لا يجب أن تخفي روح المسؤولية والشعور بالواجب الديني والمجتمعي الذي يتحلى به كثير من الجزائريين، بمن فيهم المسؤولون المطالبون بالحضور الكامل في هذه المناسبات، وأن لا يتعللوا بمثل هذه الممارسات كما يفعل البض من أجل التخلص من الحضور، كما يبقى أن إرساء دولة القانون والشفافية المطلقة في تسيير شؤون البلاد وفضح المتسلقين، هي الأدوات الأساسية في تخليص المجتمع من هذه الفطريات التي تقتات حتى من الموت وما بعده.

خالد. ش

من نفس القسم الوطن