دولي

أمريكا - «إسرائيل».. رشوة انتخابية

القلم الفلسطيني

ستحصل «إسرائيل» على أعلى مساعدة عسكرية أمريكية، حيث أُعلن أنها ستبلغ 40 مليار دولار خلال الأربع سنوات القادمة، بمقدار 10 مليارات في السنة الواحدة تخصص للصناعات العسكرية والأمنية «الإسرائيلية»، وستورّد منها الولايات المتحدة نسبة كبيرة.

هذا ما جرى إعلانه إثر المفاوضات التي جرت في العاصمة الأمريكية مؤخراً، التي ترأسها من الجانبين مستشارة الأمن القومي الأمريكي من جهة ورئيس الأمن القومي «الإسرائيلي» من جهة ثانية.

المراقبون والمهتمون الذين تابعوا هذه النتيجة توقفوا أمام أمور عديدة:

أولاً: إن العلاقة بين الإدارة الأمريكية والحكومة «الإسرائيلية» الحالية شهدت توترات في شأن أزمة الشرق الأوسط. الأمريكيون وجدوا في المواقف الإسرائيلية الرافضة للرؤية الأمريكية تعطيلاً لدورهم الذي استمر طويلاً على أرضية المفاوضات العبثية.

«الإسرائيليون» من جانبهم جاهروا برفضهم الوصاية من أيٍّ كان، وهم حددوا أن القضية «إسرائيلية»، وهم وحدهم من يقرر مواجهتها.

والحالة هكذا إجمالاً لم تكن تتيح توقع مثل هذه القفزة غير العادية في المساعدات الأمريكية.

ثانياً: مراقبون عدة يشيرون إلى أن الولايات المتحدة ستكون في بداية العد التنازلي لميزانيتها العسكرية لأسباب عديدة، ومن ذلك سيأتي تواجدها المكلف في مناطق عديدة، ومن بينها: مناطق شرق أوسطية، حيث الاضطرابات، وحيث يشاع إعلامياً أنها لم تعد بما كانت عليه من أهمية للولايات المتحدة مقارنة بالماضي القريب، وقبيل أن تتمكن الولايات المتحدة من ضمان داخلي لحاجاتها النفطية، وتعيد تدوير أولوياتها إلى شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، حيث السباق مع أطراف دولية كالصين وروسيا والأقطاب الصاعدة كالهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وهي معركة أسواق ومنتجات وعلاقات وسياسات مناسبة.

السؤال: إذا كانت مسألة تخفيض الميزانية العسكرية تعد هاجساً لم يتحول بعد إلى توجه، فكيف جاءت هذه القفزة بمضاعفة المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية لـ«إسرائيل» إلى الحدود المعلن عنها؟

الواقع أن الأمر لا غرابة فيه إذا ما أخذنا مسائل عديدة: 

أولاً: إن المساعدات العسكرية الأمريكية لـ«إسرائيل» مستمرة ومتواصلة منذ عقود مديدة، وهي تقدم سنوياً بانتظام، وخلال العقود الأخيرة كانت قيمة هذه المساعدات تتراوح ما بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار سنوياً، وترتبط هذه العملية بالالتزام الأمريكي بدعم وحماية «إسرائيل»، وهي سياسة معلنة وعملية.

ثانياً: إن رفع سقف المساعدات إلى هذا الحد يعني تلبية المطالب «الإسرائيلية»، وهي مطالب غير قاصرة على تعزيز التفوق في هذه المنطقة، بل والتحول إلى ورشة صناعة عسكرية وأمنية متطورة.

المشروع بهذا المستوى يعد استراتيجياً ومنفتحاً على أبعد من المصالح والمكاسب والعلاقات المشتركة والمتبادلة، ومن بين أبرز الأمور التي يتيحها مستقبل هذا الاتفاق أن يقوم «الإسرائيليون» بتجاوز ما يعدونه «وصاية»، والتقليل من العبء الذي ظل ثقيلاً على الولايات المتحدة في إعادة إطلاق العلاقة، التي لا يستطيع أحد حتى الآن معرفة اتجاهاتها، أهي ستكون على المصالح المشتركة؟ أم ستبقى على ما هو قائم من روابط متعددة ومتجذرة؟

في أي حال هناك من يرى الأمور من زاوية الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي انطلقت حملتها بين المتنافسين مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب ومرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون.

وهؤلاء يشيرون إلى مسألتين:

الأولى: دور اللوبي الصهيوني في الانتخابات الأمريكية البرلمانية والرئاسية؛ فلهذا اللوبي بقوته المالية وشبكاته الإعلامية ومؤسساته الناشطة في الحياة الأمريكية دوره الفاعل، وفي فترات سابقة كانت المنافسة الانتخابية تجري على المزايدة تجاه تلبية المطالب «الإسرائيلية» بهدف خطب ود هذا اللوبي لكسب الأصوات.

الثانية: الخلافات التي تفجرت بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو، حرمت أوباما ما كان يحلم به، وهو تحقيق اتفاق سلام للأزمة الشرق أوسطية، ما أدى إلى تعطيل الدور الأمريكي الذي استمر نشطاً سنوات طويلة.

في نظر هؤلاء أن ما جرى كان أقرب إلى عملية من جانب الإدارة الديمقراطية لطيّ هذا الخلاف، وفتح ما يمكن وصفه بالصفحة الـ«جديدة»، لكنها جرت في توقيت يسمح بالقول إن رفع المساعدة العسكرية والأمنية إلى 10 مليارات دولار في السنة، ولأربعة أعوام متعاقبة ليس بعيداً عن رشوة انتخابية للوبي الصهيوني، وهي رشوة مغرية وكبيرة.

في أي حال، كل الأمور واردة غير أن الذي يهمنا خطر زيادة تلغيم هذه المنطقة المتفجرة أساساً، التي تحتاج إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، وسلام دائم لشعوبها وعالمنا بأسره.

لقد كانت الآمال معلقة على أوباما لصناعة السلام بحسب وعوده لا دعم الصناعة العسكرية «الإسرائيلية»، لكن ما بين الآمال والأعمال هناك الحقيقة.

 

هاشم عبد العزيز

من نفس القسم دولي