الوطن

أي اتجاه لأسعار النفط مستقبلا؟

عمود

 

إن الاضطرابات الشديدة في السوق النفطية المنعكسة بشكل واضح على تطاير أسعاره، سمحت بالتفكير في مدى نجاعة تقنيات التنبؤ المختلفة المتداولة. تم اعتماد في هذا العمل التطبيقي على تشكيلة كافية من معطيات أسبوعية، شهرية، فصلية وسنوية من 1987 إلى 2015 قصد التنبؤ وانطلاقا من سنة 2015 لنستعرض التوقعات السنوية فقط لما لها من أهمية في وضع ميزانية الدولة بالخصوص.

باعتبار أن سعر النفط يمثل أحد أهم المؤشرات الاقتصادية في العالم حيث يراقب تغيراته كل من المنتجين والمستهلكين إضافة لمتخذي القرار والفاعلين في الاسواق المالية والدولية. إنه بتطاير هذا السعر تضطرب معه الكثير من الاقتصاديات خاصة المتخلفة منها وتلك المعتمدة أساسا على تصدير النفط. في هذا السياق ونظرا لأهمية هذا السعر الذي يعتبره الكثير كمقياس لأداء الاقتصاد العالمي، أولى الاقتصاديون أهمية خاصة لعملية التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية عبر تسخير الكثير من الجهد لتوفير أدوات مناسبة وفعالة وقابلة للتطبيق في مختلف الظروف. إن الاضطرابات الكبرى التي شهدتها أسواق النفط عبر العالم قيضت من أهمية هذه التقنيات في ظل التغيرات الحساسة التي عرفتها السلاسل الزمنية المتعلقة بالظاهرة المدروسة. لقد عقَد هذا التطاير في الاسعار عملية اللجوء إلى النماذج غير الحرة التي تشترط توفر عنصر استقرارية أو سكون السلسلة الزمنية وغياب القيم الشاذة بها.

كما قد يعكس هذا التطاير الشديد في المعطيات حدوث تغيرات هيكلية تحد من فرص استخدام الكثير من نماذج التنبؤ. يرجع هذا الأمر إلى أن إهمال القيم الشاذة في السلاسل الزمنية تكون له عواقب متفاوتة على التنبؤات حيث تأثيرها يكون بسيطا فيما إذا وقعت في بداية أو منتصف السلسلة الزمنية، بينما يكون معتبرا فيما إذا  وقعت في نهايتها حيث بداية أفق التنبؤ كما هو الحال في الوقت الراهن. كما أن المحافظة عليها يكون غير مجدياً أيضاً و مغلطا أثناء دراسة سكون السلسلة الزمنية. كما هو معروف، إن أغلب الاختبارات المتوفرة حاليا في دراسة الاستقرارية تؤدي إلى نتائج مزيفة لا يمكن البناء عليهاّ، من هنا نستنتج أن هذه الحالة معقدة و تطرح عدة تحديات لأدوات السلاسل الزمنية و كذا تقنيات التنبؤ بفعل التغيرات الهيكلية والجوهرية في النظام الاقتصادي والسياسي العالمي.

إن نتائج التمهيد الاولية وانطلاقا من نهاية 2015 بينت استمرار تهاوي الاسعار لتبلغ خلال بداية شهور 2016 مستوى 30دولار للبرميل. تعكس هذه التنبؤات توجها نحو توقع استمرار تدهور الأسعار بالنسبة للمصدرين وهو سيناريو مشروط ببقاء الأحوال السياسية الاقتصادية على حالها دون أي اتفاق بين أعضاء المنظمة و البلدان غير المنتجة للنفط.

قد يرجع هذا التهاوي في الأسعار بشكل كبير إلى تحسن قدرة الولايات المتحدة الأمريكية في إنتاج النفط غير التقليدي الذي يرجع إلى تحسن التكنولوجيا التي سمحت بتخفيض تكاليف الاستخراج بشكل مهم جدا إضافة إلى قدرة المنتجين الأمريكيين في تعديل والتحكم بمستويات الإنتاج تفاعلا مع تغيرات الأسعار مما يعني قدرتها على الموازنة بين الطلب الكلي و العرض الكلي و هو ما قد يفسر استمرار تراجع الأسعار.

بالرجوع إلى المعطيات السنوية، جاءت نتائج التنبؤ كما يلي:

الجدول 1. التنبؤ بالأسعار السنوية لخام البرانت 2016-2017

قاعدة التنبؤ 2015 2016 2017

سعر  التنبؤ 52.74 53.16

يعتبر سعري البرميل المحدد بالمتوسط لسنتي 2016 و2017 بـ 53 دولار مقبولا في الظروف الحالية الموسومة بتخمة الاسواق العالمية. في حين جاءت تنبؤات نهاية السنة لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية في حدود 34.73 و40.58 دولاراً لسنتي 2016 و2017 وهي تعتبر أكثر تشاؤما بالنسبة للمنتجين.

إن اختلاف التنبؤات سواء من حيث الحجم أو الاتجاه بيًن حساسية عملية التنبؤ وصعوبتها سواء في الأجل القصير أو المتوسط والطويل، كما أن تعقد النموذج لا يعني تفوقه على الصياغة البسيطة. لقد ذهب الكثير من رواد القياس الاقتصادي والنموذجة إلى تفضيل النماذج البسيطة على المعقدة لعدة اعتبارات أهمها التكلفة والتنبؤ.

رغم الاختلاف المسجل في التنبؤ، فإن الاتجاه العام للأسعار قد يستمر في التراجع أو التذبذب عند المستويات المتدنية الحالية في ظروف عدم الاتفاق على تثبيت على الأقل الانتاج عند مستويات شهر جانفي 2016 من طرف الدول المنتجة. إن التخوف الآن هو استمرار هذا السيناريو ليعيد التاريخ نفسه ونعايش مرة أخرى ظروف ما بعد الثمانينات و ما رافقها من سياسات لا اقتصادية ولا اجتماعية. مهما يكن الأمر فإن صحت هذه التوقعات سيتدعم صندوق دعم الايرادات بأكثر من 21 دولارا لكل برميل و هو الفرق بين السعر المرجعي الذي تقدر به الميزانية وسعر السوق. هذا الواقع سيفرض على الحكومة الركون عند سياسة تنويع الاقتصاد وترشيده.

بقلم: د/ مولود حشمان

جامعة الجزائر 3

 

من نفس القسم الوطن