دولي
حماس وواجب المسؤولية الوطنية.. انتخابات المجالس المحلية
**القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 26 جولية 2016
جاء البيان الذي أصدرته حركة حماس ليلة الخامس عشر من الشهر الجاري في صورة تصريح صحفي بعنوان "حماس تؤكد على أهمية إجراء الانتخابات المحلية"، وقد أكدت فيه حماس وبشكلٍ جليّ على إنجاح الانتخابات، وتسهيل إجرائها، وذلك على أساس توفير ضمانات النزاهة، وتكافؤ الفرص، واحترام النتائج.
فلم يكن ذلك غير إيذانٍ بأن مرحلة عملية جديدة ستمخر فيها سفينة الوطن وبعنوانٍ كبير: "عودة المسار الديمقراطي"، وهذا من خلال إعادة الاعتبار لقرار الشّعب في مصيره، وإقرار بإرادته الحرة في خياراته تجاه من يمثله من برامج ورموز وشخصيات. بعد أن تعطّل هذا المسار بقوة القهر اليومي الذي يفرضه احتلال مجرم لا زال يحاصر كل تطلعاتنا في الحرية والعودة وتقرير المصير، وقسوة واقع الانقسام بين مكونين أساسيين من الوطن، وما يخلفه الحصار الظالم من معاناة في مختلف أوجه الحياة.. نعم، اليوم يبتدئ هذا المسار بروح من المسئولية الوطنية أبدتها حماس في بيانها هذا، وهي تتفاعل إيجابياً مع قرار صادر وإن كان منفرداً من حكومة كان يُفترض أنها تُمثل التوافق الوطني في صور كفاءات مهنية، غير أنّ هذا لم يمنع قيادة حماس من أخذه بالجدية التامة في واقع هذه المرحلة الحرجة من تاريخ القضية الفلسطينية التي تمرّ بمنعطفات خطرة، لما يفرضه واقع الانقسام الإقليمي الحاد من تجييش كل طرف من طرفيه لروح المذهبية المنتنة والتعصب الاثني البغيض.
في واقع هذا حاله يتأخر فيه ترتيب العدو الصهيوني في قائمة العداء كثيراً؛ بل كان أكثر من ذلك بأن يُصبح هذا العدو المجرم (الصهيوني) محلّ ترحيب لأطراف تتصارع فيما بينها تحت عناوين خادعة ورايات جاهلية عميّة. فهذا المشهد الإقليمي وبهذه القتامة هو ما يؤكد الواجب بأن يُوضع الشعب الفلسطيني في الجزء المهم من الوطن (الضفة الفلسطينية وقطاع غزة) عند مسئولياته؛ وليصطف الجميع أمامه فيختار منهم من يُحسن خدمته، ويحفظ هويته، ويُكافح من أجل حقوقه. فاليوم المجالس المحلية وغداً -إن شاء الله- الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني في مرحلة قادمة تعكس بدرجة أساسية برامج سياسية ذات أبعاد سيادية. وهذا ما يجعل مؤسسة الرئاسة (السلطة أو المنظمة) وحركة فتح في محكٍّ حقيقي كي تترجم فيه إيمانها بالعملية الديمقراطية؛ فتفسح المجال للشراكة الوطنية، بعيداً عن التموقع الحزبي في مؤسسات الوطن، وكأنها أملاك خاصة أو أنها استحقاقات محتكرة لصالح فئة بعينها من دون الشعب.
أجل، لقد ألقى بيان حماس حجراً كبيراً في مياه الوطن الراكدة؛ فخلق ارتدادات كثيرة في أوساطنا الوطنية والنّخب المثقفة. ولا زالت هذه الارتدادات تتعاقب في تواصلها بين مرحبٍ أو متوجسٍ أو خائفٍ.. وهنا أرصد بعض هذه الارتدادات. فعلى الصعيد الداخلي لحركة حماس- بإيجازٍ كبير- كان القرار مفاجئاً لدى البعض من نخبها، غير أنّه شكل انعطافة حادة لمجمل صفها..! مما حدا بقيادة الحركة أن تواصل لقاءاتها المكوكية مع الصف التنظيمي بكل مستوياته، فتعرض عليه أبعاد هذا القرار على الصعيد الوطني العام، وانعكاسه على الواقع التنظيمي في الأقاليم الأساسية التي تنشط فيها حركته. وأظهرت حرصها الأكيد الذي تبديه في طيّ صفحة الانقسام البغيض، ولكن هذه المرة في خلق واقع جديد من خلال صناديق الاقتراع. وأما عن ارتدادات هذا القرار الذي اتخذته حماس بتسهيل وإنجاح العملية الديمقراطية على الصعيد الوطني العام، فقد أحدث جدلاً كبيراً في أوساط عدة.. منها من ذهب إلى أن حماس تريد توريط شركائها أو بتعبير البعض خصومها (فتح) بتحميلهم مسئولية إدارة الخدمة العامة في ظل واقع معقد.
ومنهم من لا زال يشكك في جدية حماس بهذا القرار دون أن يورد ما يبرر هذا التشكيك من وقائع تؤيد ما ذهب إليه، وآخرون ذهبوا إلى منحى آخر بدعوتهم لحماس بالانسحاب من المشهد بلطف بعدما أدت الذي عليها، والآن الشعب يقرر من يريد..! غير أن المنصف من رأى في هذا القرار الذي أصدرته حماس، هو رغبتها الصادقة في ترميم المؤسسات الوطنية من خلال انتخابات جادة ومسئولة، بعد فشل العملية الانتخابية التي أجرتها السلطة في الضفة قبل أربع سنوات، ولم تأخذ العملية الديمقراطية في حينه جديتها وفاعليتها -كما أكده كثيرون من المطلعين- وذلك لمقاطعة حماس لها؛ لأنّ حماس بذلك القرار تفرض على الجميع (أحزابا وشخصيات ومؤسسات مجتمع مدني) المسئولية الوطنية كي يُخلوا بين الشعب وما يريده في نزاهة وحرية، وفيه إعلاء لخياراته، وفيه تداول سليم وسلمي لريادة المؤسسات الخدمية والسيادية. وفي جواب وإن برسم السؤال.. كيف ستساهم حماس في إنجاح الانتخابات المحلية؟ نعم، ستكون حركة حماس ضمانة أساسية مع كل القوى والفصائل الوطنية والمؤسسات العاملة في الأرض الفلسطينية لنزاهة هذه العملية من خلال الدفع بالمراقبين في كل نقاط الاقتراع. وأنّها ستدفع بالكفاءات المهنية ذات القدرة على التواصل المجتمعي؛ ليتصدروا المشهد الخدمي العام، بأي شكل من الأشكال التي يحتملها النظام النسبي الكامل (القوائم)، وبما يراعي الظرف الموضوعي لكل محلية.