دولي
استعدوا للآتي الأعظم
**القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 20 جولية 2016
بات من الملحّ إجراء مراجعة لمكانة فلسطين الدولية قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللا عودة، لا سيما في ظل التطورات بالغة السوء التي حصلت خلال الفترة القليلة الماضية كثمرة خبيثة لما تشهده المنطقة العربية من حروب وشرذمة وانقسام.
وتتمثل هذه التطورات بمكافأة إسرائيل بدلاً من معاقبتها بفوزها برئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة بعد تصويت 109 دول لصالحها، منها أربع دول عربية، وصدور تقرير عن «اللجنة الرباعية» منحاز لإسرائيل، وهابط بالموقف الدولي إلى مستوى لم يسبق له مثيل، «ما ينذر بالثبور وعظائم الأمور» ما لم يكن هناك تحرك فلسطيني بمستوى هذا التحدي، خصوصاً إذا تبنّاه مجلس الأمن، الأمر الذي يجعل فلسطين معرضة لخسارة الشرعية الدولية.
ومن هذه التطورات أيضاً الاختراق الإسرائيلي لعدد من الدول العربية بذريعة الالتقاء ضد «الإرهاب السني» و» الخطر الإيراني الفارسي الشيعي»، لدرجة بتنا نقترب من الشروع في الحل الإقليمي الذي بادر إلى طرحه أفيغدور ليبرمان قبل أن يصبح وزيراً للحرب، وتبنته الحكومة الإسرائيلية، ويظهر ذلك من خلال بدء الترويج لأولوية تحقيق السلام العربي - الإسرائيلي كمقدمة لتحقيق السلام الفلسطيني - الإسرائيلي، بعد عقود من اعتماد العرب لأولوية حل القضية الفلسطينية وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة على تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، واستخدام العرب للضغط على الفلسطينيين لتقديم تنازلات، وهذا يعني توظيف المفاوضات التي يمكن أن تجري لحل القضية الفلسطينية للتغطية على التطبيع العربي مع إسرائيل، وبالتالي لن يقود هذا الأمر إلى حل وطني أو متوازن، وإنما إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر تنفيذ الحل الإسرائيلي أو إغلاقها حتى إشعار آخر. يضاف إلى ما سبق مبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الرامية إلى تحويل «السلام البارد» إلى «سلام دافئ» واستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وإجراء مصالحة فلسطينية داخلية، التي أدت منذ أيام إلى زيارة وزير خارجيته إلى تل أبيب لأول مرة منذ تسع سنوات وسط أحاديث متزايدة عن لقاء يجمع نتنياهو بالسيسي وقمة ثلاثية (فلسطينية إسرائيلية مصرية)، تمهيداً لمفاوضات فلسطينية إسرائيلية برعاية مصرية وأردنية، ما يعني أنّ العرب يمكن أن يتحولوا إلى وسطاء، وكذلك الاختراق الإسرائيلي لإفريقيا بعد زيارة نتنياهو الأخيرة التي جعلت إسرائيل تقترب من الحصول على العضوية المراقبة في منظمة «الوحدة الإفريقية»، وبالتالي احتمال خسارة دعم أكبر تكتل إقليمي يدعم القضية الفلسطينية. ويصب في نفس السياق السلبي إنجاز المصالحة التركية الإسرائيلية، التي من ضمن شروطها عدم مساهمة الطرفين بأي خطوات في المحافل الدولية يمكن أن تلحق الضرر بالطرف الآخر، الأمر الذي سيحيد الدعم التركي للحقوق الفلسطينية، وقبلها العلاقة الدافئة بين روسيا وإسرائيل التي تضمنت إطلاق يد الدب الروسي في سورية مع الحفاظ على المصالح الأمنية والاستراتيجية لتل أبيب، مقابل غض نظر موسكو عما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين، ولعل هذا يفسر صدور تقرير اللجنة الرباعية دون اعتراض روسي، إضافة إلى إنجازات إسرائيل في علاقاتها مع الهند والصين ودول أوروبا الشرقية وغيرها من الدول التي كانت معروفة بتأييدها للقضية الفلسطينية ومناهضتها لإسرائيل.
تأسيساً على كل ما تقدم، لا بد من استعادة الوعي والتخلي عن حالة خداع الذات وإنكار الواقع التي تظهر بالحديث الفلسطيني الرسمي والمدعوم عربياً حول الانتصارات الدبلوماسية الفلسطينية، الذي يجد الترويج من أجهزة إعلامية مدفوعة الثمن، ومن مدّاحي كل ما يقوله الحكام من مثقفين وأكاديميين وكتّاب، ولو أدى كل ذلك بالعرب إلى التهلكة التي تعيشها المنطقة العربية الآن. فإسرائيل لا تعيش عزلة خانقة لا تقوى على احتمالها كما يدعون، أو في أحسن الأحوال لا تمر بمأزق لا يقل عن المأزق الذي يعيشه الفلسطينيون والعرب.
لا يعني ما سبق أن الفترة الماضية لم تشهد إنجازات ولكنها لا تقارن بالسلبيات المذكورة. كما لا يعني أن الأفق بات مسدوداً، بل هناك أفق مفتوح في حال توفر القناعة والإرادة اللازمة. فليس من المقدّر والمحتم نجاح المخطط المرسوم لتصفية القضية الفلسطينية.
لا يوجد أي وجه للمقارنة بين المأزق الفلسطيني والعربي وبين المأزق الإسرائيلي، فالأول هو خطر يمس الوجود، فبعد مائة عام على اتفاقية «سايكس بيكو» تشهد المنطقة إعادة رسم لخارطتها عبر إجراء تقسيم للشعوب ومحاولة جادة لتصفية أو إغلاق القضية الفلسطينية حتى إشعار آخر، والآخر مأزق نمو والتقاط فرصة تاريخية لتحقيق ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه سابقاً.
صحيح أن هذا يعجّل في وصول إسرائيل إلى خط النهاية على المدى البعيد، لأنها تبلع ما لا تستطيع هضمه، ولأنها ستبقى جسماً غريباً زُرِعَ في المنطقة وستلفظه مهما طال الزمن.