دولي
"حماس": على حدّ السّيْف تقاتل بالسّيْف
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 13 جولية 2016
على شفرة سيفٍ حادٍّ مضت وتمضي "حماس" في مسيرتها منذ أن انطلقت قبل ثلاثين سنة، حركة صغيرة من رحم المعاناة تحت الاحتلال الصهيوني، ومن مخاضات الشتات الفلسطينيّ في العالم أجمع، تُكمل مسيرا من الجهاد بدأه الشعب والأمّة منذ بواكير القرن الماضي، بيد أنّها في الوقت ذاته ترسم مسارا فريدا في مقاومة المحتلّ وأعوانه القريبين والبعيدين؛ مسارا شموليّا يحاول مواجهة هجوم العدوّ الشامل على شعبنا وأمّتنا.
ومنذ أن امتشقت "حماس" سيفها -بل سيوفها- ضدّ الصهاينة لم تُغيّر ولم تُبدِّل. ما ارتمت في حضن أحد مَنَح أو مَنَع! ولا تسوّلت على باب نظام، ولا باعت نفسَها لمحور مهما جاعت أو جُوِّعت، على حدّ السيف ما سقطت يمينا في قعر البراغماتية، ولا تاهت شمالا في صحراء التطرّف والعدمية. رغم قلّة زاد البداية من الخبرة طاف قادتها "الشباب" عواصم العالم؛ فما فتنتهم صالات الشرف ولا سيّارات المرسيدس ولا حرّاس القصور ولا الفلل المفروشة! ولا أرهبتهم السجون ولا الإبعاد ولا الاغتيالات ولا التهديدات! يتمثّلون عزّة ربعيّ بن عامر، وسياسة عمرو بن العاص، وقيادة خالد بن الوليد، وشجاعة عليّ بن أبي طالب، وعبقرية عمر بن الخطّاب، وحكمة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنهم جميعا... وفي كلٍّ يستظلّون بظلال فهم وسطيّ لكتاب الله وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم! لا يتكبّرون على علم أهل العلم، ولا يتنكّرون لخبرة أهل الخبرة، ولا يترفّعون عن مشاركة إخوانهم في الوطن! رغم قلّة ذات اليد ما كانت يدٌ أعلى من يدها يوما إلا أيادي شعبها وشهدائها وأحرارها وحرائرها وجرحاها وذويهم، ومن خلف هؤلاء أمّة ما تخلّت في ضيق، ولا هانت لحظة كرْب، ولا تولّت يوم زحف! بيضاء الوجه، ما أريقت لها ماء أمام متربّص بمكْر أو ضامر لشرّ، أو حتى محسن قد يمنّ! لأنّها لم تقبض لجيبها يوما، أو تعمل لذاتها وصيتها وتنسى غايتها! بوصلتها القدس؛ ما انحرفت عنها في حَرور صيف أو قُرّ شتاء، وإن اضطّرت للتولّي للظلّ يوما؛ فظلال زيتونة لا شرقية ولا غربية، نور زيتها يقيها مصارع سوء البائعين والمشترين والمفرّطين والمنسّقين والمتسوّلين. قالوا لها اتجهي شرقا! هناك لمعان سيوف "المقاومة والممانعة" وأزيز رصاص "الثورة" ورؤوس الصواريخ وعصف الأبابيل! قالت: نِعْمَ الشرقُ إن كان كذلك! فمضت شرقا ردحا من الزّمن! عزيزة كريمة ما سقطت عن حدّ السّيْف ولا تخلّت عن حقّ السّيْف؛ فأخذت ما أخذت ممتنّة شاكرة، ومتفضّلة على من أعطى لأنّها منحته وسام "العطاء" من رتبة "القدس"!! فلما حاولت رياح الشرق أن تسقطها عن حد السيف، أو تلوّث سيفها بدماء أمّتها، ألقت المال الحرام وتخلّت عن "النعماء"، وتحمّلت "البلاء" لأجل الدماء الزكيّة التي تراق على مذبح الطائفية البغيضة.
قالوا لها: يمّمي شطر الغرب حيث "الشرعية" العالمية تُمنح هناك! وحيث "الاعتراف" الدولي، وحيث مطارات العواصم الكبرى، قالت: ولمَ لا؟ فلما جاء وقت دفع الثمن من حُرِّ المبدأ ورصيد الفكرة وصدق الثورة! قالت: لا أركب إلاّ على خيل مسرجة متجهة للقدس؛ فلا شرعية ولا اعتراف أقوى من اعتراف يهتف باسمك في باحات الأقصى! قالوا لها: دونك القريب أوْلى، وعنده الخير وأغنى! قالت: هو أوْلى وأوْلى! بل هو خيرٌ وأبقى! فما إنْ ظهرت بوادر المنّ والأذى، وغرور الكبْر والهوى، والشروط ما أُعلِن وخفى! قالت: لا أستبدل زيت زيتوني بأيِّ زيت مهما كان صافيا. شرقا وغربا ولذي القربى ما تركت طريقا إلا وسلكته لأجل شعبها، ما تركت جوادا إلا وامتطته لأجل قضيّتها، ما تركت بابا إلا وطرقته كُرْمى "لقدسها" وأقصاها و"قيامتها"، ثلاثون سنة في الصحراء وعلى الجبال وفي الأنفاق وفي الطائرات والمطارات وفي العواصم وفي المخيّمات وفي الأزقّة وفي الميادين وفي السجون وفي الزنازين وفي المقابر وتحت التراب.. وفي أعماق البحر وحواصل الأبابيل.. وفي كل ما يخطر على البال وما لا يخطر في الخيال.. من أجل شعبها وأرضها وقضيتها
لا غرورا بالذات تقول ذلك، فالغرور مُهلِك مُحبِط! وإنّما فخرا بالقدس واعتزازا برايتها، وتأكيدا للمسيرة والمسار والمسير. إنّها العزّة التي حفظتها من قوله تعالى: "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ". هذي "حماس" وهذه مسيرتها... لا يمكن أن تبيع دماء الياسين وإخوانه آلاف الشهداء بحشوة صاروخ شرقية مجبولة بدم حرام، ولا يمكن أن تسرج قناديل القدس بزيت غربي ملوث بمنِّ لئام. هذي "حماس" وهذه بوصلتها، لم تنحرف مهما طافت في أرجاء الدنيا وجالت شرقا وغربا.
هذي "حماس" وهذه كواكب شهدائها وأسراها وجرحاها وقادتها وشبابها وشاباتها وكتائبها ستبقى حاملة الرّاية، لا يضرّها من خذلها، أو اتّهمها باطلا، أو حاصرها ظلما وعدوانا، أو تآمر عليها خيانة ونذالة! لم يعرفوا ولا يعرفوا ولن يعرفوا -بإذن الله- إلا خبز الطابون الحلال، المنقوع بالزّيت والزّعتر! مهما رأوا على موائد أصحاب الفخامة والجلالة والسموّ والمعالي والعطوفة! هذي "حماس" بقيّة الأمل في الأمّة الجريحة، لنْ تَخْذُل بغداد ودمشق وصنعاء والقاهرة وطرابلس وأخواتها؛ لأنّها ما خذلت قدسها يوما رغم شلال الدم النازف في حناياها.