الوطن

لجنة قسنطيني تصف الوضعية الاجتماعية للبلاد بـ"الخطيرة" بسبب أزمة النفط، تنامي خطر التطرف وغياب الرؤية والحلول

حذرت من صعوبات كبيرة ستقبل عليها الجزائر

 

قدر تقرير اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان السنوي، أن الجزائر تواجه الآن تحديات كبيرة أملتها ظروف داخلية وأخرى خارجية، من شأنها أن تذهب بالجزائر نحو المجهول في ظل غياب رؤية واضحة تتعاطى مع التقارير المحلية والدولية حول استمرار انهيار أسعار النفط مستقبلا، بالنظر إلى كونه المورد الرئيسي للخزينة العمومية، ورغم أن التقرير لم يركز على هذه الأزمة بصورة كبيرة، إلا أنه دعا إلى ضرورة الاستفادة من هذه التقارير والتعجيل بالذهاب نحو إصلاحات عميقة سواء في الشق الاقتصادي أو الاجتماعي وحتى السياسي في الجزائر. وربط التقرير ذاته الصعوبات التي تواجه الجزائر الآن بخطر تنامي ظاهرة التطرف الذي اقترحت بخصوصه "السماح بتغيير الرؤية إلى الشباب من أهداف سلبية وضعيفة في خدمة الحملات الرامية إلى مكافحة التطرف العنيف إلى أطراف فاعلة في إعداد الاستراتيجيات لاسيما في هذا المجال بل واعتبارهم مشرف وقائد".
اعتبرت اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان في تقريرها لسنة 2015 عموما أن وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية "ليست بالمستوى المطلوب وقد تتدهور أكثر بالنظر إلى المؤشرات الحالية ذات الصلة بوضع الاقتصاد الوطني وكذا التوقعات المتشائمة للخبراء الوطنيين والدوليين على حد سواء بخصوص السياق الدولي لاسيما من حيث تطور أسعار المحروقات". وأمام هذا الظرف الاقتصادي الصعب ترى اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان أنه يجب تقديم إجابات "فورية" و"حاسمة" تكون في مستوى التحديات الهامة التي يتعين على جميع الفاعلين رفعها، وفضلا عن ذلك فان الوقت يداهم وإذا لم تتخذ إصلاحات جوهرية في مسار التنمية بالجزائر والتعجيل بتنفيذها فإن البلاد سيواجه صعوبات كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي".
وأكدت اللجنة في تقريرها أن تعزيز الإطار التصوري الخاص بالتكفل بحقوق الإنسان في الجزائر هو مسألة تكتسي "أهمية قصوى" خاصة من أجل تبني "مقاربة مبتكرة" من منطلق الحرص على "الفعالية والنجاعة"، أن الإجراءات التي يمكن اتخاذها سيكون لها تأثير من حيث "دفع جهود ترقية وحماية حقوق الإنسان وإعطاء إشارة سياسية ايجابية وقوية عن التزام الدولة في هذا السياق وتبني مقاربة مبتكرة من منطلق الحرص على الفعالية والنجاعة".
اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان التي يترأسها الحقوقي فاروق قسنطيني، أوصت "بإثراء الإطار المؤسساتي المتعلق بترقية وحماية حقوق الإنسان من خلال وضع هيئة متعددة القطاعات رفيعة المستوى مكلفة بحقوق الإنسان ومزودة بالوسائل الضرورية تهتم بدراسة كل مبادرة متعلقة بحقوق الإنسان لضمان تكامل وتناسق أكبر للجهود". ودعت في توصياتها إلى "بحث إمكانية العودة إلى تجربة الوزارة المنتدبة المكلفة بحقوق الإنسان، باعتبار أن الظرف الحالي ملائم أكثر وأيضا من أجل تتويج الجهود التي بادرت بها الجزائر في مجال ترقية وحماية حقوق الإنسان وتعزيز دولة الحق والقانون بشكل عام".
وأوضحت اللجنة أن "هذه الدائرة الوزارية سيكون عليها أيضا التكفل بتصميم وتنفيذ سياسة تشاورية مع اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان والمجتمع المدني". وفي نفس السياق، اعتبرت اللجنة أن "تصميم وتطبيق سياسة وطنية يجب أن يندرج في إطار عمل السلطات العمومية ومن ثم تكون من اختصاص هذه الدائرة الوزارية بالتشاور والتعاون مع المتدخلين الآخرين والمجتمع المدني". وأضاف التقرير أن اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان باعتبارها "هيئة متابعة وإنذار مسبق ستكون مدعوة للعب دور هام وأساسي عبر كامل المراحل المتعلقة بالسياسة الوطنية".
واعتبرت أن "السياسة الوطنية يجب أن تدوم في الزمن وأن تخضع لرؤية بعيدة المدى في إطار متعدد السنوات مستقر وملائم". وأوصت اللجنة بأن "تستفيد أي سياسة وطنية خاصة بحقوق الإنسان من حملة اتصال وتحسيس تكون في مستوى الأهداف المحددة مسبقا مع اللجوء إلى كل الأطراف المتدخلة"، ودعت أخيرا "جميع الأطراف المتدخلة إلى الالتزام التزاما صارما وثابتا لصالح السياسة الوطنية لحقوق الإنسان" والذي قالت "هو حسبنا، هو الضمان الأكبر لنجاحها".
على صعيد آخر، أشادت اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان بالعمل الذي تقوم به السلطات العمومية من أجل ترسيخ دولة قانون "حريصة على الحقوق الإنسانية لمواطنيها"، وجاء في التقرير أن اللجنة وبعد سنة "متقلبة وثرية بالأعمال والمطالب، سجلت اللجنة بكل ارتياح توجه عمل السلطات العمومية نحو ورشات في غاية الأهمية، على غرار إصلاح المؤسسات وترسيخ دولة قانون حريصة على الحقوق الإنسانية لمواطنيها، وكذا عقلنة تسيير الشأن العام". غير أن اللجنة أكدت أن التطورات الايجابية "لا يجب في أي حال من الأحوال أن تخفي الحاجة الماسة إلى تعميق الإصلاحات السياسية والاقتصادية وغيرها، في إطار تحميل المسؤولية للفاعلين في أهم قطاعات الحياة العمومية الجزائرية". 
 وترى اللجنة أن هذه المسؤولية لا تتجسد إلا من خلال الفصل "الواضح" بين السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، التي تجعل الأمر الذي يضفي الفعالية على "نصوص القوانين المصادق عليها لاسيما سنة 2015 التي تضمن السلامة المعنوية والجسدية لمواطنيها ولا تترك المكان للا عقاب".
ومن جهة أخرى، أشار التقرير إلى أن عودة السلم والأمن بفضل تنفيذ أحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية خلال السنوات الأخيرة، مكن الشعب الجزائري بمساعدة مصالح الأمن من "القضاء على الإرهاب الأعمى"، واعتبرت أن الأمن وحقوق الإنسان "لا يجب أن يكونا متناقضين بل مكملان لبعضهما البعض"، مضيفة أن مكافحة الإرهاب وأسسه الأيديولوجية المتطرفة "هو نضال من أجل حماية واحترام حقوق الإنسان ودولة القانون والديمقراطية". وركزت اللجنة في تقريرها على بعض مواضيع الساعة التي تتجلى من خلالها وضعية ترقية وحماية حقوق الإنسان بالجزائر.
واعتبرت عموما أن وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية "ليست بالمستوى المطلوب وقد تتدهور أكثر بالنظر إلى المؤشرات الحالية ذات الصلة بوضع الاقتصاد الوطني، وكذا التوقعات المتشائمة للخبراء الوطنيين والدوليين على حد سواء، بخصوص السياق الدولي لاسيما من حيث تطور أسعار المحروقات". وأمام هذا الظرف الاقتصادي الصعب ترى اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان أنه يجب تقديم إجابات "فورية" و"حاسمة" تكون في مستوى التحديات الهامة التي يتعين على جميع الفاعلين رفعها، وفضلا عن ذلك فإن الوقت يداهم وإذا لم تتخذ إصلاحات جوهرية في مسار التنمية بالجزائر والتعجيل بتنفيذها، فإن البلاد سيواجه صعوبات كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي".
 
منح الإمكانيات للشباب من أجل مستقبل قائم على التسامح والتضامن
على صعيد آخر، أكد تقرير اللجنة أن الجزائر يجب عليها من أجل التصدي للتطرف العنيف، وضع جميع الوسائل تحت تصرف الشباب بغية بناء مستقبلهم الذي يقوم على أسس وقيم التسامح والتضامن والمساعدة. وجاء في الشق المتعلق بالتجربة الجزائرية في مجال القضاء على الأصولية، أن الجزائر ما فتئت، من خلال الإجراءات المتخذة لمكافحة التطرف العنيف-، تضع الشباب في صلب انشغالاتها". وأوصت اللجنة بمنح الشباب "أدوات الاتصال ما بين الأجيال من خلال وضع أرضيات اتصال إلكتروني" و"تدعيم التحالفات الفكرية التي تسمح بتوحيد صفوف شباب الجيل الواحد"، كما اقترحت "السماح بتغيير الرؤية إلى الشباب من أهداف سلبية وضعيفة في خدمة الحملات الرامية إلى مكافحة التطرف العنيف إلى أطراف فاعلة في إعداد الاستراتيجيات، لاسيما في هذا المجال بل واعتبارهم مشرف وقائد".
من جهة أخرى، أبرزت اللجنة "الضرورة الملحة" بل "الضرورة العاجلة" لمنح الشباب فرص المشاركة "الحقيقية" في الحياة السياسية والتنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية للوطن و"نبذ" الشعور باليأس السائد لديهم"، وترى اللجنة أن "سياسة مكافحة التطرف العنيف والأصولية لا يمكن نجاحها إلا من خلال تحميل المسؤولية للشباب والأجيال السابقة معا"، وبخصوص الفصل المتعلق بـ"المصالحة الوطنية وحقوق الإنسان، مكتسبات وتحولات"، أوصت اللجنة بقيام "السلطات العمومية بفتح حوار هادئ مع هذه العائلات قصد تقديم لكل عائلة الملف الكامل للأبحاث التي أجرتها مختلف المصالح الأمنية التابعة للدوائر الوزارية المكلفة بالداخلية والدفاع الوطني، وكذا الأعمال المباشرة من طرف وزارة العدل حول اختفاء أحد أقربائهم". وقال التقرير يجب القيام بذلك "طبقا للخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية في 9 أكتوبر 2001 بمناسبة حفل تنصيب هذه اللجنة، حيث أكد أن "هياكل الدولة المعنية تقوم بكل ما في وسعها للعثور على هؤلاء المفقودين أو الحصول على معلومات محددة عن مصيرهم". وأشار أيضا إلى أنه يتعين عليها (السلطات العمومية) تقديم كل التوضيحات الضرورية والكافية لتساؤلات هذه العائلات وتقديم المساعدة والإعانة لها في إطار تقاليد شعبنا العريقة في مثل هذه الأوضاع التي لا يكون فيها التضامن الفعال والمحترم لآلام الغير مجرد كلمة، وإنما تحرك وعمل غايته الوحيدة تخفيف الأحزان عمن فقد عزيزا عليه".
 
خولة. ب
 

من نفس القسم الوطن