دولي

حماس وفتح وجهود المصالحة

القلم الفلسطيني

 

يعيش الوطن العربي في دوامة، لا نعلم متى تبتلع تلك الدوامة أحد الأقطار العربية. لم يعد يسهل على كُتاب الصحافة العربية، المنشغلين بهموم أمتهم تناول المواضيع التي تجتاح العالم العربي بالشرح والتحليل والاجتهاد في طرح الحلول نظرًا لكثرة قضايا هذه الأمة أتناول في هذه الزاوية همًّا من هموما أمتنا، وهو السلطة الفلسطينية التي توسعت في عهدها "إسرائيل" على الأرض الفلسطينية، وتمدد نفوذها إلى خارج حدود فلسطين. وفي عهدها، ازداد عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وتضاعف عدد الأسرى، وتحولت الضفة الغربية إلى ساحات يطارد فيها جنود الاحتلال الإسرائيلي شباب الضفة للقبض عليهم تحت سمع وبصر قوات الأمن الفلسطينية، التي لا تحرك ساكناً دفاعاً عنهم. في عهدها ازدادت عمليات هدم قوات الاحتلال منازل المواطنين الفلسطينيين. إذًا، ما فائدة هذه السلطة وما واجبها إذا لم يكن واجبها الأول حماية المواطنين وممتلكاتهم؟ جرت في عام 2006 انتخابات تشريعية في الضفة الغربية وغزة، وهي أول انتخابات تشارك فيها حركة حماس، وفازت بأغلبية المقاعد في المجلس التشريعي (البرلمان). وقد قال القيادي في حركة فتح، محمد دحلان، في تصريح صحفي مذاع: "من العار على فتح القبول والمشاركة في حكومة تقودها حماس"، وقال أحمد قريع، وهو أحد كبار قادة "فتح" واتفاق أوسلو، على الهواء مباشرة، وهو منفعل غضباً لنتائج التصويت: "خلينا نشوف شو بيقدروا يعملوا"، أي ماذا تستطيع أن تفعل حماس في إدارة الضفة والقطاع. والحق أن السلطات الأمنية في غزة، بقيادة الفتحاوي محمد دحلان، وبمباركة ضمنية من قيادة فتح العليا رفضت التعاطي مع الحكومة التي أدت اليمين الدستورية أمام الرئيس عباس، وارتفعت وتيرة الاضطرابات الأمنية والاغتيالات، فما كان من وزير الداخلية إلا تشكيل قوة أمنية مساندة عرفت باسم (القوة التنفيذية)، لكن عناصر الأمن التابعة لفتح اصطدمت بهذه القوة الوليدة. زاد الانفلات الأمني وزادت الاغتيالات، ووصل إلى غزة رئيس الوزراء وزير الخارجية السابق، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، لإيجاد صيغة لحل الخلافات بين "فتح" و"حماس" والمحافظة على استقرار الأمن في أراضي السلطة، ولم يكتب للوساطة القطرية النجاح، وتدخلت السعودية ودعت الأطراف إلى مكة وعقدت مصالحة عرفت بصلح مكة في فبراير 2007 وشكلت حكومة وحدة وطنية، لم يكتب لها النجاح، لأن هناك سبق إصرار بعدم قبول حركة حماس من قبل "إسرائيل" وسلطة حركة فتح. جديد جهود المصالحة التي تعمل عليها قطر بين الطرفين اجتماع الدوحة في 15 ــ 16 يونيو الحالي، إلى جانب أمور أخرى، تمت مناقشتها بحضور الوسيط القطري، نوقشت قضية موظفي قطاع غزة الذين عينتهم الحكومة المنتخبة (حكومة هنية 2006) بعد أن امتنع موظفو القطاع مدنيين وأمنيين، الذين كانوا أعضاء في حركة فتح، عن العمل مع حكومة إسماعيل هنية. فشلت المفاوضات في الدوحة في الوصول إلى اتفاق بهذا الشأن، كما رفضت حكومة التوافق الوطني التي شكلت مؤخراً الاعتراف بموظفي الوزارات في غزة أو التعامل مع القطاع، ما لم تسلم حماس بكل قرارات عباس، أي عودة جميع الموظفين الذين كانوا يتسلمون مرتباتهم وهم في بيوتهم، دون القيام بأي أعمال من أجل المواطن في غزة، بما في ذلك مدرسون وقضاة وأطباء وغيرهم، وعلى "حماس" أن تتحمل تبعات المسؤولية المالية عن موظفيها الذين عينتهم ولا دخل للسلطة بهم، وليسوا على ميزانيتها. هل يعقل أن يخدم هؤلاء المواطن في غزة والسهر على أمنه، وتعليم أبنائه وتطبيب مرضاه، على مدى عشر سنوات ثم يأتي عباس ليشطبهم بجرة قلم؟  السؤال الذي يجب إثارته: إذا كانت كوادر فتح ترفض العمل في كل وظائف السلطة في غزة في ظل حكومة "حماس" بموجب تعليمات عباسية، أليس من حق سلطة "حماس" أن تعين محلهم موظفين يقومون بالواجب تجاه المواطن الغزاوي؟ يعترف الجميع في قطاع غزة بأن الجرائم، بجميع أنواعها، اختفت من غزة، بمجرد انتهاء سلطات عباس الأمنية في غزة، وأن الأمن اليوم أكثر استتباباً هناك، وأن الخدمات الصحية والتعليمية والأمنية في أحسن حال بالقطاع، رغم شح الموارد المالية منذ أن تسلمت حكومة "حماس" مقاليد الأمور.

إذًا، لماذا تصر سلطات عباس ورهطه على إسقاط أكثر من ثلاثين ألف موظف قاموا بواجباتهم الوطنية خير قيام في ظل غياب موظفي سلطة "فتح" الذين كانوا يستلمون مرتباتهم، وهم قعود بلا عمل، لأن عباس منعهم من الاستمرار في العمل طالما حركة حماس على هرم القيادة في غزة؟! سلطة محمود عباس اليوم منقسمة بين الرياض وعمان والدوحة، عباس في عمان يحسن المجاملات، وحبك الكلمات الصحفية حول السيادة على الأماكن المقدسة بأنها للأردن، وما في القلب يعلمه الله. وجبريل الرجوب في الرياض للهدف نفسه، لمن تكون السيادة على الأماكن المقدسة، وصيانة قبة الصخرة لمن تكون، أسئلة ما برحت ماثلة في الأذهان.

 

د. محمد صالح المسفر 

من نفس القسم دولي