دولي

تعطيش الضفة

القلم الفلسطيني

 

يهدف الاحتلال من سياسة تعطيش الضفة الغربية في هذه الأيام؛ لعدة أمور لعل من أبرزها: جعل الاقتصاد الفلسطيني تابع على الدوام لسلطات الاحتلال، وتقليل فرص التطوير والتنمية في قطاع المياه لدى الجانب الفلسطيني في الضفة، وابتزاز الجانب الفلسطيني في موضوع المياه، وإشعار الفلسطينيين على الدوام أن يد الاحتلال هي الطولى، وهو من يقرر كيف يكون نمط حياة الفلسطينيين؛ حتى في شربة الماء. من كان يظن يوما؛ أن المحتل الغاصب لوطنه وأرضه؛ سيرحمه، ويعطيه شيئا بالمجان ولو كان بسيطا، ويحقق له بعض من مصالحه الدنيوية دون مقابل؛ فهو واهم وحالم، فكل خطوة يقوم بها الاحتلال في الضفة الغربية تكون مدروسة، ورسمت أهدافها بدقة عالية؛ لتحقق مصلحة المحتل الغاصب؛ على حساب مقدرات وخيرات ومياه الشعب الفلسطيني. مئات المستوطنات – السكانية والزراعية - والبؤر الاستيطانية ومعسكرات الجيش التابع للاحتلال؛ تستنزف المياه الجوفية في الضفة الغربية، وما تبقى من النزر القليل يتم تزويده لمدن وقرى وبلدات الضفة ، لكن بأسعار باهظة ضمن سياسة القطارة. من خلال تقليص كميات المياه من قبل الجانب المحتل؛ بقي مواطنو الضفة تحت رحمة سياسة التعطيش من قبل دولة الاحتلال؛ وبقيت السلطة الفلسطينية تخضع لسياسة الابتزاز في قضية المياه؛ حيث يريد الاحتلال ربط تزويد المياه بقبول السلطة لمشاريع استيطانية. مع قدوم الصيف، وحلول شهر رمضان؛ تتجدد – عمدا - أزمة شح مياه الشرب في جنوب وشمال ووسط الضفة الغربية؛ بعد سطو الاحتلال على المياه الجوفية في الضفة الغربية وجرها إلى المستوطنات التي تنعم بمياه وفيرة؛ لا تنقطع ولا تتوقف ولو لساعة واحدة. من أسباب سهولة تحكم الاحتلال بكمية ونسب المياه المتدفقة للضفة الغربية ؛ هو ترحيل اتفاقية "اوسلو" مشكلة المياه للحل النهائي؛ وحسب الاتفاقية حول المياه المستخرجة من الآبار الجوفية؛ فقد سمح للفلسطينيين استخراج 118 مليون متر مكعب سنويًّا، في حين لا يتعدى كميات ما يتم استخراجه اليوم 87 مليون متر مكعب سنويًّا فقط، وتقرّر أن تكون نسبة توزيع المياه في طبقة المياه الجوفيّة الجبليّة بين الاحتلال والفلسطينيين 80 % للاحتلال و20% للفلسطينيين. كمية المياه التي يسمح بشرائها من شركة "ميكروت" للمياه والتي يتم استخراجها من آبار المياه الجوفية في الضفة الغربية هي نفسها منذ 15 عامًا رغم ارتفاع عدد السكان؛ وزيادة احتياجات الفلسطينيين بحسب سلطة المياه الفلسطينية. أضطر مواطنون من الضفة الغربية بسبب سياسة التعطيش لشراء المياه بواسطة صهاريج متنقلة وبمبالغ باهظة لسد احتياجاتهم اليومية خاصة في شهر رمضان الفضيل، الذي تعمد الاحتلال خلال أوائل أيامه تعميق أزمة وسياسة التعطيش. الإجحاف بين وواضح في تقرير لمنظمة "بيتسيلم" الحقوقية التي أوضحت فيه؛ بأن استهلاك الفلسطينيين يبلغ 73 لترًا للفرد يوميًّا بحسب معطيات رسمية، بينما يتجاوز استهلاك المستوطنين في الضفة الغربية أكثر من 800 لتر يوميًّا، وهو ما يشكل 12 ضعفًا مقابل ما هو متاح للفلسطينيين لغايات الاستخدام المنزلي. اللافت في التقرير الحقوقي؛ أن بعض التجمعات الحيوية والواقعة في المناطق المصنفة (ج) والتي تبلغ 61 % من مساحة الضفة الغربية لا يتجاوز الاستخدام الفردي من المياه فيها 17 لترًا في اليوم. ما تقوم به سلطات الاحتلال؛ عبر شركة "ميكروت" للمياه التي تزود الضفة؛ يتنافى مع القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة واتفاقية لاهاي؛ وجميع القوانين والشرائع الدولية، التي عرفتها البشرية عبر التاريخ. سيبقى الاحتلال يستنزف مقدرات وخيرات الشعب الفلسطيني، والاحتلال ليس جمعية خيرية توزع الهبات والحاجات مجانا؛ بل احتلال ماكر وذكي يقيس خطواته بدقة ويعمل ضمن برنامج مدروس يحقق مصالحه على حساب الفلسطينيين ويستنزفهم؛ لكن يبقى السؤال: ماذا اعد الفلسطينيون من خطط وبرامج؛ لمواجهة مخططات وهيمنة وابتزاز أقذر احتلال عرفه التاريخ؟!

 

د. خالد معالي

من نفس القسم دولي