الوطن

ظاهرة التدين بدايات ثورة قادمة أم انكفاء على الذات

بعد رفض القروض الربوية وامتلاء المساجد وشعارات شبكات التواصل الاجتماعي

 

تعرف المساجد هذه الأيام إقبالا متزايدا من المصلين وخاصة في صلاة التراويح وحتى باقي الفرائض بما فيها صلاة المغرب، كما عادت أغلب المساجد إلى الصلاة بـ"حزبين" من القرآن بعد تعليمة وزارة الشؤون الدينية، العام الماضي، بالتخفيف عن المصلين وعدم قراءة أكثر من حزب في ركعات التراويح، مثل هذه الظاهرة التي تزامنت هذه المرة مع بروز واضح كموقف شعبي في رفض القروض الربوية وغلبة المسحة الدينية والخطاب الديني في شبكات التواصل الاجتماعي، مع بساطة الخطاب والرسائل الممررة فيه كل هذه المؤشرات، تكرس تساؤلات مشروعة عن حقيقة هذا التدين ومآلاته في هذه المرحلة الحساسة.
ويرجع البعض ظاهرة امتلاء المساجد إلى عمق التدين في المجتمع الجزائري وحرصه على إظهاره في مختلف الشعائر الدينية، على غرار شهر رمضان الذي يحرص الجزائريون على إبراز كل معاني التضامن والتكافل من جهة، إضافة إلى العودة للمساجد والرغبة في تجديد الإيمان عبر قراءة القرآن، كما يفسر البعض أن هذه العودة الكبيرة تقلق بعض القوى السياسية التي ترى فيها نوعا من تنامي التيار الإسلامي وخاصة التيار السلفي الذي ينشط بكثرة في المساجد، ورغم أنه يعتمد الابتعاد عن الحديث عن السياسة، إلا أن الفترة الأخيرة وخاصة في المواقف الدولية أصبح يعتم مواقف بعض الدول العربية سواء تعلق الأمر بسوريا أو إيران واليمن أيضا، ويتخوف البعض من هذا التوجه في ظل الحديث عن موجة ثانية للربيع العربي تمس منطقة المغرب العربي.
ويقدم البعض نموذج حزب النور المصري الذي حول الحركة السلفية إلى عمل حزبي كان في وقت قريب "بدعة".
ظاهرة التدين في المجتمع الجزائري أصبحت تؤكدها مؤشرات أخرى، على غرار رفض القروض الربوية بما فيها القروض الاستهلاكية، وتشهد البنوك الإسلامية والتي في أغلبها امتداد لبنوك خليجية، إقبالا كبيرا أمام رفض السلطات تمكين البنوك الجزائرية من فتح المنتوج الإسلامي، على غرار ما فعلت بنوك عالمية وحتى فرنسية. ويتزامن توسع ظاهرة التدين مع وجود رغبة في إبعاد التيار الإسلامي من كل المواقع في السلطة، وهو ما يهدد بحق الاستقرار الاجتماعي حتى وإن لم يحسب له.
بروز هذا التوجه السياسي في الفترة الأخيرة بعد أن كرست استراتيجية استيعاب الإسلاميين في الفترة السابقة، وحققت مكاسب مهمة بدءا من استمرار الدولة إلى عزل الإرهاب والتطرف، وصولا إلى تطبيع التيار الإسلامي على غرار باقي التيارات، وأصبح لا يمثل الخطر الذي روجت له بعض القوى العلمانية من قبل، بل حتى دوائر غربية لا ترغب في إشراكه في السلطة وإبقاء المجتمعات العربية الإسلامية رهينة الإقصاء والتهميش من جهة، والصراعات الداخلية وأزمة الهوية المصطنعة من جهة أخرى.
صحيح أن بعض الأحزاب الإسلامية اختارت طوعية التوجه إلى المعارضة بعد سراب الربيع العربي، ولكن هذا لا يعفي بعض الأطراف في السلطة من مسؤولية الإقصاء الممنهج الذي لا يخدم المصالح الاستراتيجية للدولة ولا حتى الاستقرار الوطني العام، في فترة يمثل الخطر الأمني حقيقة ملموسة يؤكدها ما يقوم به الجيش تقريبا يوميا من اكتشاف لأسلحة وقضاء على بعض الإرهابيين وغيرها من القضايا ذات الصلة التي أصبحت في بيانات الجيش الوطني.
 
سليمان شنين

من نفس القسم الوطن