الوطن

لهذه الأسباب ترفض الجزائر طلب مساعدة "الأفامي"

عشرون سنة بعد حصار اقتصادي غير مُعلن

 

لم ترد الدوائر المالية الجزائرية على طلب صندوق النقد الدولي القاضي بمساعدة هيئة بروتون وودس ماليا لمواجهة الأزمة العالمية، التي عصفت وتعصف باقتصاديات كثير من الدول الأوروبية خاصة. ويأتي طلب مسؤولة الصندوق، الفرنسية كريستين لاقارد، بناء على تقارير الهيئة التي ترأسها بأن اقتصاد الجزائر قد تعافى ويمكن أن يزدهر أكثر في ظل مدخرات الاحتياط التي تناهز 200 مليار دولار أمريكي من خلال انتهاز فرصة توظيفه في محو آثار عجز اقتصاديات دول تئن تحت وزر الإفلاس.

وتتحدث تقارير الأفامي عن حاجة الصندوق الملحة لتوفير ما لا يقل عن 2000 مليار دولار نقدا لمواجهة الأزمة العالمية الخانقة. ويعُدُ صندوق النقد الجزائر ضمن قائمة دول معنية بهذا الطلب في إعارة مبالغ مالية يعيرها بدوره، على شكل قروض مدروسة، لمجموعة من الدول مستها الأزمة في العمق لدرجة الإفلاس مثل اليونان، ايرلندا، البرتغال، إسبانيا، فرنسا ودول منطقة البلقان المتضررة من انعكاسات أزمة تسبب فيها الفساد الاقتصادي وسوء التسيير، اللذان دفعا بكثير من الدول إلى عتبة الإفلاس واللجوء للصندوق والبنك العالميين.

ومرت الجزائر قبل عقدين من هنا في التسعينيات وذاقت ويلات العجز في ميزانياتها على مدى سنوات دخلت بموجبه دوامة إملاءات صندوق النقد الدولي الذي فرض على الجزائر سياسة تقشفية خانقة. ولأجل مساعدة الجزائر التي لم تعد تملك حينها ثمن فاتورة كمية القمح المستورد والدواء- على سبيل المثال- إلى جانب مواد غذائية أخرى، فرض الصندوق سياسة اقتصادية أكثر صرامة وشروط أشد قسوة على قروض لازالت آثار وطأتها ملحوظة. 

فرض الصندوق على الجزائر سياسة إعادة هيكلة الاقتصاد عموديا وأفقيا مع رفض منح قروض مخففة. سياسة لم يكن بوسع الجزائر رفضها مقابل قروض مشروطة بنسبة أرباح عالية زادتها أسقف عمولات "خدمة الدين" ثقلا وسوءا مع كل إعادة جدولة لهذه الديون التي عانت الجزائر في تسديدها رغم شروط قبلها المفاوضون مكرهين على مضض.

وقد عانى الجزائريون بعدها من رواسب سياسة اقتصادية كانت حتمية لا مفر منها في ظل حصار اقتصادي غير معلن من طرف العديد ممن كانوا يعتبرون أصدقاء وحلفاء الجزائر. وبدأت المعاناة مع أول قرارات إعادة الهيكلة الاقتصادية التي تعني عدم مساعدة المؤسسات الاقتصادية والشركات المفلسة وحتمية غلقها أو بيعها لخواص. إضافة لفتح السوق الجزائرية أمام السلع والشراكة الأجنبيين. كما فرض الصندوق سياسة اجتماعية قاسية على المجموعة الوطنية بفرض رفع الدعم عن أسعار المواد الغذائية الأساسية. وكان أصعب موقف رضخت له الجزائر ضرورة الاستجابة لإملاءات خصت قانون النقد والصرف الذي فتح باب النهب الممنهج على مصراعيه. 

فغلقت شركات وطرد ما لا يقل عن مليون ونصف عامل على شكل تسريح قوافل، مقابل مبالغ مالية، وآخرين دون تعويض وبيعت شركاتهم بالدينار الرمزي بطرق غامضة لأسماء لا صلة لها بتلك الشركات، التي صنعت مجد الصناعات الخفيفة الجزائرية على غرار المواد الغذائية والجلدية والنسيجية والخشبية والالكترونية ومواد البناء، التي كانت تمثل اعتزاز وافتخار الصناعة في الجزائر. وعمت البطالة وتدهورت القدرة الشرائية للمواطنين وارتفع التضخم وأوصدت أبواب التوظيف وتوقفت آلة الاقتصاد إلا من ضخ البترول والصلب والحديد والخبز والحليب لاستمرار حياة بطيئة. 

وطلب حينئد المفاوضون الجزائريون الذين كان على رأسهم وزير الاقتصاد الجزائري عبد الكريم حرشاوي من مسؤولي الصندوق العالمي مرافقة الجزائر بسياسة مرنة وقروض مخففة تخدم مصالح الطرفين ومساعدة الجزائر كشريك اقتصادي يمر بظروف عصيبة صنعتها أزمة البترول في الفترة ما بين 1987 و1991 ذات الانعكاسات السلبية المؤلمة. ومن سوء الحظ أن الأزمة تفاقمت مع أعمال التخريب والترهيب التي أعقبت وقف المسار الانتخابي وإجهاز العمل الإرهابي على حرق وتدمير المنشآت الاقتصادية كلفت الخزينة العامة أكثر من 40 مليار دولار.

 

زحف الأزمة يغطي على مطلب الأفامي

 

وجاء رد وزير المالية، كريم جودي، على طلب الصندوق الدولي للنقد دبلوماسيا يوحي برفض مقنع لهذا المطلب وذلك بالحاجة لوقت من أجل دراسة الطلب بكل حيثياته قبل الجواب النهائي على رغبة الأفامي في مساعدة الدول العُضوة المتضررة على الخروج من نفق الأزمة العالمية. فالجزائر التي خرجت من أزمتها أكثر وعيا وجلادة لم تجد من يساعدها ويتضامن معها في حقبة الانتقالية. بل وجدت بدل ذلك كل الصعاب والمعوقات دفعتها لترزح تحت وطأة هيئة بروتون وودس. كما قامت مؤسسات مثل "كوفاس" الفرنسية بعمل دعاية مغرضة الهدف منها تثبيط المستثمرين الأجانب والحيلولة دون مجيئهم للاستثمار على أراضينا. 

وبعيدا عن تفاؤل هيئة كريستين لاقارد جاء تشاؤم دوائر مالية في الجزائر المبني على حقيقة إيرادات المحروقات بعنوان 2011-2012 غير مسرة. وطبقا لتقارير البنك المركزي ووزارة الطاقة والمناجم جاء إعلان حالة الاحتراز الاقتصادي من طرف وزارة المالية وإقرار اختلالات الميزانية في الأفق القريب على خلفية تدهور أسعار البترول التي قفزت تحت عتبة الـ100 دولار. وهو إنذار بأن السنوات القادمة صعبة في ظل استمرار الأزمة الكاسحة.

وموازاة لذلك توجبت العودة لمراجعة ميزانية الدولة في ما يخص التسيير بعد الانتهاء من ملف التعويضات والأجور. فالجزائر التي تحررت من مديونيتها لدى الصندوق، عام 2005، هي اليوم سيدة قرارها وهي لا تخشى مناورات صندوق النقد الدولي ونادي باريس وبإمكانها مساعدة البلدان الصديقة مثل إسبانيا والبرتغال في الشمال إذا رغبت في ذلك ومالي والنيجر وموريتانيا جنوبا دون العبور على وسيط لم يحسن التعامل معنا أيام الحاجة خلال عمر الأزمة كما تعتمده الأفامي الآن مع دول أوروبية وأمريكية. 

طارق مروان 

 

من نفس القسم الوطن