دولي
بانتظار عدوان جديد
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 25 ماي 2016
أول ما أبدأ به مقالتي هو التعبير عن شعوري بالأسف والعتب على ثلة من زملاء الحرف من الكتبة الفلسطينيين َومن يُـقَدمون كمحللين سياسيين لأنهم تحولوا إلى حملة مباخر وشعراء غزل ومدح، وإنني وإن كنت أتـفق أو أختلف معهم سياسيا أو فكريا، فإننا بالتأكيد نجتمع على إيصال الرأي والفكرة عبر ما يسطره القلم، وليس من مهمة الكاتب أن يتحول إلى (سحيج) خاصة أن الموقف لا يستحق كل هذا الاندفاع الذي ظهر على الزملاء بعد كلمة الجنرال عبد الفتاح السيسي، وبالتعبير البلدي المصري (على إيه الهليلة دي كلها؟!) فمن المبالغة القول بأن كلام الرجل حمل ما يسمى (مبادرة) في عالم السياسة، وأنه حتى لو كان الكلام مبادرة أو مقدمة وتمهيد لطرح مبادرة، فإن الاتزان والتحفظ مطلوبان، لأن قضيتنا متخمة بالمبادرات من الأشقاء والجيران والأصدقاء والأعداء والقريب والبعيد منذ عقود طويلة، وإذا كنا بصدد مبادرة جديدة فعلا، فهي ليست الأولى ولا الأخيرة، ومن الخفة والطيش استخدام تعبيرات من قبيل (الفرصة الأخيرة) والإيحاء بأن القيامة ستقوم، وستقع الواقعة ما لم تنجح هذه المبادرة...أتكلم عن بعض الكتبة ممن كان صوتهم مرتفعا، ولا أعمم، فثمة من أنا على خلاف دائم معهم أشهد لهم بأنهم تعاملوا مع الأمر باتزان وتروّ بعيدا عن أسلوب الهتاف الصاخب، وكيل المديح. وعودة إلى المبادرات التي يزخر بها تاريخ قضيتنا الفلسطينية فإن لنا معها تجارب ليست مريحة بل مأساوية ودامية؛ ذلك أن الرد "الإسرائيلي" على أية مبادرة سلام أو تسوية عربية يكون عدوانا دمويا، فالعقلية الصهيونية ترى أن تقديم المبادرات دليل ضعف وخوار، وأن فكرة مواجهة القوة والغطرسة، المشبع بها المشروع الصهيوني، باتت مستبعدة من فكر واستراتيجية العرب! فحينما قدم الملك فهد بن عبد العزيز مبادرة في آب/أغسطس 1981م وكان وقتها وليا للعهد حدثت خلافات عربية انـتهت بتبني المبادرة رسميا من الدول العربية في مؤتمر القمة في مدينة فاس المغربية بعد شهور من طرحها سنة 1982م، فكان الرد الإسرائيلي غزوا وعدوانا على لبنان ومجازر صبرا وشاتيلا وخروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت! وبعد عقدين على تلك المبادرة قدّم ولي العهد السعودي عبد الله بن عبد العزيز مبادرة جديدة جرى إقرارها في مؤتمر القمة في بيروت أواخر آذار/مارس 2002م ولا زلنا نتذكر الرد "الإسرائيلي" المتغطرس سياسيا عليها، الملغي ميدانيا لها، مع أنها ما زالت عربيا ورسميا (على الطاولة) حيث تم حصار الرئيس عرفات في المقاطعة التي هدمت الجرافات "الإسرائيلية" معظم مبانيها، وتم اقتحام مخيم جنين حيث استشهد عشرات المواطنين وهدمت الجرافات الضخمة مئات المنازل وسوّتها بالأرض، وأعاد شارون احتلال المناطق المصنفة (أ) وفق اتفاقيات أوسلو2 وما تبع ذلك من أمور ما زلنا نعيش آثارها. وقد كان وضع النظام العربي الرسمي حين جرى تقديم المبادرتين المذكورتين أفضل مما هو عليه الآن بلا ريب، ولكن العقل الصهيوني قائم على الاستحواذ على الأرض، بل حتى رابين صاحب القبضة الحديدية ضد الشعب الفلسطيني لم يسلم من الاتهام بالخيانة والتفريط، وقام متطرف يهودي بقتله، ولم يهتز الرأي العام "الإسرائيلي"، بل انتخب نتنياهو رئيسا للحكومة بالاقتراع المباشر بعد شهور من تلك الحادثة. و"إسرائيل" اليوم لم تتحول إلى حمل وديع، أو إلى دولة قابلة للسلام والتعايش مع (الجيران) مع أن العرب قدموا لها التنازل إثر التنازل الذي شمل الأرض والموافقة على تطبيع العلاقات والتعاون الاقتصادي والعسكري وغير ذلك؛ وقبل أيام رفضوا رسميا فكرة فرنسا لعقد مؤتمر سلام جديد، وكان يمكن لنتنياهو الموافقة على المؤتمر وإضافته إلى أرشيف سجلات مؤتمرات واجتماعات سابقة، لأنه لن يتعدى الخطابات والوعود وما بات معروفا ومكررا في مثل هذه اللقاءات، ولكن نتنياهو رفض. أما زيارة كيري للقاهرة فهي في الوقت الضائع، لأنه سيغادر منصبه بعد شهور، كما أن ترحيب "إسرائيل" واحتفائها المبالغ فيه بالخطاب يبعث على الريـبة، ولكنها سرعان ما وضعت ليبرمان وزيرا للحرب، الذي طالب قبل سنوات بقصف السد العالي. وبغض النظر عن التحركات التي ستجري في الأيام والأسابيع القادمة، باتجاه أفكار قديمة-جديدة أو معاد تدويرها في ملف التسوية و(عملية السلام) خاصة ما يشاع عن احتمال زيارة نتنياهو للقاء السيسي في القاهرة، أو بلورة مقترح تتشارك فيه فرنسا ومصر وتباركه أمريكا، فإن خوفنا وهاجسنا يظل قائما من التجربة السابقة. ما يجري يدل على أننا أمام عدوان "إسرائيلي" جديد، قد يشمل الضفة وغزة معا، أو قد يقتصر على غزة، أو قد يتوجه إلى الجبهة الشمالية، ولكن المؤكد أننا لسنا أمام اتفاق (سلام) بين كيان متغطرس مدجج بالسلاح وعرب وفلسطينيين منقسمين متخاصمين مكللين بالضعف على شتى الصعد...أما حجم هذا العدوان ومدته، فهذا لا نستطيع تقديره في هذه المرحلة، أما توقيت العدوان وهل سيسبق الانتخابات الأمريكية أم يتزامن معها، أم يكون قريبا في هذا الصيف، فكل الاحتمالات قائمة إلا احتمال تحقيق السلام، لأن السلام في المنطقة غير ممكن في ظل وجود هذا الكيان...هذه هي المعادلة.
سري سمّور