دولي

مشاهد من الضفة

القلم الفلسطيني

 

 
كثيرة هي المشاهد الحية اليومية القاهرة والقاسية في الضفة الغربية، والمختلفة عن أية بقعة أخرى في العالم قاطبة؛ وما يجري في الضفة وما تمر به من ظروف صعبة؛ جعلت الإنسان الفلسطيني يتمتع ويتميز بصفات معينة عالية الجودة، ويسلك مسلكيات متطورة؛ لا تخطر على بال أحد، وأكسبته قدرة على الصبر والتحدي لا نظير لها، ترجمت بعمليات طعن؛ جعلت كيان الاحتلال في حالة هوس وخوف دائمين؛ برغم تذبذب العمليات. ويبدأ اليوم في الضفة؛ بقرع رجال الجيش ومخابرات الاحتلال لمنازل المواطنين الفلسطينيين؛ وقرع الأبواب؛ قد يكون بقنبلة تفجره أو بخلعه خلعا، واقتحام المنزل بشكل وحشي وهمجي مع الكلاب المتوحشة، وتخريب ممتلكات المنزل، وإدخال الرعب في نفوس الأطفال والنساء، والاستيلاء على بعض الممتلكات من أموال وذهب، وأجهزة خلوية وكمبيوترات وغيرها من الأجهزة الإلكترونية. بعد الاقتحام المزعج والمقلق؛ إما أن يقوم جنود الاحتلال بعملية اعتقال أو أمر عسكري بالاستدعاء، أو إخطار بهدم منزل أو وقف البناء فيه، أو ابتزاز، أو أي أمر آخر كله شرور وضرر للمواطنين الفلسطينيين. وبعد عملية الاعتقال، وانسحاب الجيش والمخابرات، تشرق شمس صباح الضفة على وقع اعتقالات بالجملة، ووضع حواجز متنقلة ما بين قرية وأخرى أو مدينة وأخرى، لمواصلة عمليات الاعتقال والتضييق على المواطنين. وما أن تشرق الشمس قليلا؛ حتى تبدأ بسماع أصوات الجرافات الضخمة وهي تجرف أراضي المواطنين والمزارعين، دون حسيب أو رقيب، أو حتى دون أمر مصادرة أو إخطار بالتجريف، ومن يعترض؛ قد يكون مصيره الجرح أو الاعتقال والضرب والشتائم، من جنود الاحتلال الذين يحرسون الجرافات الضخمة. ومع ساعات الضحى؛ يتعمد جنود الاحتلال إغلاق حواجز ومعابر حساسة لقضاء حاجات المواطنين وعلاجهم؛ كما حصل على حاجز قلنديا؛ حيث أغلق الجنود الحاجز، وتسبب بمعاناة مئات المرضى والعمال والموظفين وتعطيل أشغالهم وأعمالهم، وزيادة ألام المرضى من المواطنين الذين يتعالجون في القدس المحتلة؛ خاصة مرضى السرطان.
 
قد يظن البعض أن من السهل التمييز بين مناطق "ا" و"ب" و" ج" في الضفة الغربية، ولكن عند تجوالك فيها تعرف أنها كلها نفس الشيء؛ فجنود الاحتلال يقتحمون أية منطقة متى شاءوا بحيث لا تقدر  على التمييز بين المناطق. وبحسبة بسيطة نرى أن مناطق "ا" هي الأكثر عرضة للاقتحامات وانتهاكات وممارسات واعتداءات الاحتلال؛ كونها منطقة ذات كثافة سكانية عالية، ومنها تخرج أكثر عمليات المقاومة ضد الاحتلال؛ ولا تمر ليلة دون سماع إطلاق الرصاص الحي الكثيف خلال اقتحامات الجيش لتنفيذ عمليات اعتقال وتنكيل وتهديد ووعيد للمواطنين الفلسطينيين. وما أن يتوسط النهار؛ حتى ترى سلطات الاحتلال وهي تنهب أخصب الأراضي وأجود أنواع الحجارة، وتجرف التربة وتنقل جزءًا منها للداخل المحتل، وتسلب المياه، وتقلع أشجار الزيتون، والمواطن الفلسطيني يرى ويراقب ويتجرع كؤوس السم؛ دون أن يقدر على الاعتراض أو حتى الاحتجاج على سرقة خيراته ونهبها جهارا نهارا. الصورة السابقة رغم صعوبتها؛ إلا أنه فيها جوانب مضيئة؛ لوجود رجال آمنوا بالمقاومة والتضحية للوطن، فما دامت المقاومة فعالة وموجودة رغم كل الملاحقات والتضييقات؛ ستبقى شوكة في حلق الاحتلال، تنغص عليه حياته، واغتصابه للأرض، وتجعله يدفع ثمنا غاليا وفادحا لمواصلة احتلاله للأرض، حتى كنسه؛ كما كنس من غزة هاشم؛  بعكس نهج التفاوض الذي لم يجلب دولة برغم مرور 23 عاما على اتفاقية "اوسلو"؛ ولم يمنع حتى جنود الاحتلال من اقتحام مناطق "أ" الفلسطينية؛ هي من المفترض أنها تقع تحت السيادة الفلسطينية بحسب اتفاقية "أوسلو".
 
د. خالد معالي

من نفس القسم دولي