دولي
وعاد الحصار ليفتك من جديد
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 09 ماي 2016
أين هي لجنة "الفصائل الوطنيّة" وقد تشكلت لتقف شاهدة بل ومتابعة لسير عمل القطاعات الحيوية لهذه السلعة الاستراتيجية الأهم (الكهرباء).. وقد كانوا من قبل قد تحدثوا كثيرًا وخطبوا طويلًا؟! رهف ويسرى وناصر أطفال في أعمار الورود، قضوا نحبهم في حادثة لم تكن الأولى وقد تكررت من قبل مرارًا جرّاء أزمة تتعمق بفعل مفاعيل كثيرة، وإن كان أهمّها الحصار الظّالم الذي يدخل سنته العاشرة على التوالي، غير أنّه ليس الوحيد في مآسينا..! نعم، قضوا -بكل حزن وأسف-أولئك الأزهار إلى الله بعدما باغتهم ليلهم قبل أن يجيء الليل، فآووا إلى مهاجعهم ينتظرون فجر يومٍ بعيد، وهم يرقبون الأمل في غدٍ عساه أن يكون الأفضل. فيحملهم إلى رُبا الوطن الجميل، ويروا بأمّ أعينهم الحلم الذي قصّه عليهم أبواهم قبل الحريق (حلم العودة للديار) وقد هُجِّرا منها وآباؤهم الأولون. فأما وقد داهمهم الحريق لينهي حياة عاشوها بصبر وإن كانوا مكرهين عليها، وهم في رحم أحد مخيمات اللجوء (الشاطئ) الأكثر عددًا بل الأكثر كثافة في العالم.. ومرة أخرى وبرسم السؤال من أحرق تلك البراعم ووأدها قبل الزهور؟ هل الحصار الظالم وحده من يُلقى عليه جريرة هذه الجرائم القاسية؟ أم أن كثيرًا هم من يعتاشون على الأزمات ويتاجرون بمصائب الناس صباح مساء؟ أم أنّ هناك من لا يزال يُراهن على مزيدٍ من أجساد الطفولة المتفحمة كي تعيده إلى صدارة المشهد؛ فيمارس دور السيد العبد لسيده؟ ثم، أين تُصرف ولصالح من تلك الأموال الكبيرة التي أنفقها أهلُنا مقابل بدائل الكهرباء المتقطعة أو إن شئت فقل المنقطعة إلا بأمر ولي (بلوا)؟! لكن، مع هذا الانقطاع المتكرر للتيار الكهرباء، والمعضلات التي يفتعلها ذلك في كل قطاعات الحياة.. من سوء التوزيع وزيادة الفواتير بشكل لا يعكس هذا الانقطاع، ومحطة "التوليد" لم يجد فيها شعب ما هو أشدّ عقمًا منها، فما إن يُعلن عن عمل الطوربيد الثالث حتى يتوقف الأول والثاني.. وهكذا لا يأتينا من أخبارها وبمن ينطق باسمها إلا بما يسيئنا ويزيدنا كمدًا وألمًا.. ومع كلّ ذلك نجد من يخرج في كل عام يمرُّ ليتم الإعلان عن أرباحٍ مليونيّة..!
ثم من يتحمل مسؤولية محطة "توليد" يتزايد ربحها ويزيد وهي متوقفة أكثر مما تتربح وهي تعمل؟! ثم من يتحمّل مسؤولية هذه التي لا يتولد منها غير (قهر- باء) بقيمة تزيد على ما يتمّ شراؤه من الكهرباء عبر شركات الاحتلال بضِعْفي قيمة ثمن ما تنتجه؟! ثم لمصلحة من يرتهن شعبنا في قطاع غزة لهذه القطط السمان التي تطل علينا وكأنّها حمامة سلام، وهي تلف نفسها بثوب رجال الأعمال وأخرى بالمستقلين أو وسطاء "لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء"؟ فلم تكن هذه المحطة سيئة الذكر لتمارس فينا القهر لولا أنّها فرُضت علينا بقرارات فوقية لصالح شركات وأخرى بحروف ثلاثة متكررة (C)؟ ولكن، أين هم نُوّاب الشّعب من الكشف عن هذه الصفقات المشبوهة (محطة التوليد) التي وقعت تحت سيف رجال المال، وقهر ابتزاز الاغتناء من جانب ضعفاء صناع في القرار السيادي، وقد تركوا بصمات جرائمهم لتكشف أنّهم "مرّوا من هُنا"؟ غير أنّ قليلًا من المرات وعلى استحياء يخرج نائب أو اثنان-ولا أزيد ودون ذكر-ليحذّر من هذه المصيبة التي سميت زورًا وبهتانًا بـ"محطة توليد الكهرباء"، وقد جيء بها من جنوب أفريقيا إلى هنا بعد أن تهالكت وخرجت عن حدود صلاحها للعمل وفق قواعد الجدوى الاقتصادية أو مراعاة شروط البيئة السليمة...! ثم أين هي حكومة "التوافق الوطني" من هذه المصائب التي تُصبّ على رؤوسنا من تسودوا عليهم صباح مساء، فلا تكاد تسمع لأحدهم في قطاعنا ركزًا ولا ذكرًا "أموات غير أحياء"..! سيأتي الوقت قريبًا الذي يعلم كلّ أولئك المتسيدين والمُستوزرين أنّهم يتقاضون رواتبهم وما يغدقون به على أنفسهم ورئيسهم من أموال وامتيازات هي ملك لمن يحترقون بمصائب تسيبهم أو عدم وقوفهم أمام مسئولياتهم.. وعندها سيكون الحساب ويسجل التاريخ الذي لا يرحم المتسيبين والغافلين كما المجرمين..! ثم أين هي لجنة "الفصائل الوطنيّة" وقد تشكلت لتقف شاهدة بل ومتابعة لسير عمل القطاعات الحيوية لهذه السلعة الاستراتيجية الأهم (الكهرباء).. وقد كانوا من قبل قد تحدثوا كثيرًا وخطبوا طويلًا؟! أجل، لا نُبرئ الحصار فهو جريمة ستبقى تلاحق الاحتلال الصهيوني كـ"أجرم المحاصرين"، ولكنّ جريرة الحصار ستلاحق كذلك كلّ من يتكسّب منه "تجار الحروب" ابتغاء الاغتناء السريع بغير حق، وقد تعمقوا كثيرًا في أخاديد اقتصادنا الهزيل.. فتجدهم من كلّ مصيبة هم كاسبون بل "يجعلون رزقهم أنّهم يكذبون"..! فليقف الجميع عند مسؤولياتهم قبل أن تطوى صحف المسؤولية في الدنيا، وتأتي ساعة الحساب من شعب لا يغفر لمن ظلمه واستمرأ ظُلمه واستمرّ في ظلم نفسه ومن تولى رعايتهم وتقاضى أجره أضعاف ما يعطي إن كان ثمة من يعطي غير قليلٍ منهم.
عبد الله العقاد