دولي
فرنسا ... الوسيط الجديد بين فلسطين والكيان الصهيوني هل ستنجح في مفاوضات السلام ؟؟
في ظل تعثر الجهود الأمريكية للتوصل إلى اتفاق يؤدى إلى حل الدولتين منذ أفريل 2014
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 29 أفريل 2016
بعد جولات مكوكية قادتها الدبلوماسية الفرنسية على مدار الأشهر الماضية تمكنت فرنسا من تحديد موعد لعقد مؤتمر دولي للسلام في باريس يوم 30 ماي المقبل في سعى فرنسي محموم لإنجاح المؤتمر، الذي سيضم المجموعة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط وتشمل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بالإضافة إلى جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي ونحو 20 دولة.
وفى ظل تعثر الجهود الأمريكية للتوصل إلى اتفاق يؤدى إلى حل الدولتين منذ أفريل 2014 وانشغال واشنطن بانتخابات الرئاسة التي تجرى في نوفمبر هذا العام، حصلت باريس على موافقة الدول المشاركة فى المؤتمر المقرر أن تسبقه جلسات غير رسمية لوضع إطار عمل بهدف إعادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى المفاوضات، وقد أجرى المبعوث الفرنسي الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط، بيير فيمون، خلال الأشهر الماضية سلسلة من اللقاءات والمشاورات في تل أبيب ورام الله، وعددً من العواصم الأوروبية والعربية، وكذلك فى الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، واستمع إلى مواقف هذه الأطراف، حتى أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك عن تاريخ عقد المؤتمر وعلق فى لقاء صحفي ان الجانبين منقسمين أكثر من أي وقت مضي. لكن الخيار الآخر هو أن نترك الأمر للقضاء والقدر، وليس هناك حل آخر للصراع سوى حل الدولتين وأن يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون جنبا إلى جنب فى سلام وأمن وتكون القدس عاصمة مشتركة.
* ورقة إنقاذ
وتأتى المبادرة الفرنسية فى خمسة بنود وهى "مبادئ لحل الصراع على أساس تثبيت حدود الرابع من جوان 1967 مع تبادل الأرض بين الطرفين، وجعل القدس عاصمة مشتركة بين الدولتين، إلى جانب تحديد جدول زمنى لإنهاء الاحتلال، وعقد مؤتمر دولي للسلام، وجاءت فرنسا بهذه المبادرة لأسباب عدة، منها أسباب خاصة بها تتمثل فى محاولتها إيجاد دور لها فى المنطقة من خلال هذه المبادرة، ومنها انشغال الولايات المتحدة بالانتخابات الرئاسية التي حتما ستغل يد إدارة اوباما فى إحداث أي تقدم فى الملف الذى منى فيه بالفشل، والأهم انها تعد ورقة الإنقاذ للموقف المتدهور على صعيد حل الدولتين، لكن الفلسطينيين هم المستفيدون من الموقف الفرنسي على أسوأ الاحتمالات بناء على ما تقدمت به فرنسا لإسرائيل وهو إما القبول بالمبادرة أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهذا أمر جيد فإذا قبلت إسرائيل بالمبادرة فبذلك تعود القضية الفلسطينية إلى الصدارة فى الساحة الدولية وسيكون هناك حراك سياسي نوعي، أما إذا رفضتها بشكل رسمي فسيكون اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية له أثر كبير وستكون ثالث دولة عظمى بعد روسيا والصين من الدول الخمس صاحبة الفيتو فى مجلس الأمن وأول دولة غربية اعترفت بالدولة الفلسطينية، وهو ما سيجعل أمريكا وإسرائيل تعيدان حساباتهما تجاه القضية الفلسطينية، وربما يشجع دول أخرى على تبنى القرار الفرنسي، وحسب تقارير إعلامية، فقد استجابت السلطة الفلسطينية لضغوط الحكومة الفرنسية بشأن تجميد محاولات فلسطينية لإصدار قرار يدين إسرائيل فى مجلس الأمن، على خلفية حملة الاستيطان بالأراضي المحتلة ولا سيما بالقدس الشرقية، التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية، على اعتبار أن أي خطوة فلسطينية ضد إسرائيل فى هذا التوقيت يمكنها أن تقوض الجهود الفرنسية بشأن مؤتمر السلام الدولي.
وذكرت صحيفة "هآارتس" الإسرائيلية عن دبلوماسيين فى تل أبيب، أن باريس أطلعت وزارة الخارجية الإسرائيلية على تفاصيل المؤتمر التحضيري الذى سيعقد على مستوى وزراء خارجية الدول المشاركة، وأن باريس سوف ترسل الدعوات إلى هذه الدول، عدا إسرائيل والسلطة الفلسطينية، على أن يسبق عقد المؤتمر زيارة يقوم بها وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك، إلى تل أبيب، يلتقى خلالها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نيتانياهو.، ولفت الدبلوماسيون إلى أن المؤتمر سيكون فى إطار التحضير لمؤتمر السلام الدولي الذى تنظمه باريس الصيف المقبل، وأن دبلوماسيين كبارا من جميع الدول المشاركة سيجتمعون فى باريس مطلع الشهر المقبل، لمناقشة التحضيرات لمؤتمر وزراء الخارجية.
* السلطة الفلسطينية تدعم المبادرة
ومنذ الإعلان عن المبادرة والسلطة الفلسطينية تدعمها وتدعو الى الالتفاف حولها رغم ان المبادرة تحدثت بعبارات فضفاضة عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وتجاهلت بالكامل موضوع حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وعالجت الترتيبات الأمنية على طول الحدود الفاصلة بين إسرائيل وفلسطين، بطريقة لا يقبل بها الفلسطينيون كوجود طويل الأمد لقوات الجيش الإسرائيلي فى منطقة الأغوار على الحدود الأردنية الفلسطينية مع نشر قوات دولية، وبحيث تكون دولة فلسطين منزوعة السلاح تمامًا، لكن كان وجود الرئيس محمود عباس للتوقيع على اتفاقية المناخ فى نيويورك فرصة للإعلان عن الموقف الفلسطيني بوضوح امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قال :ان أيدينا مازالت ممدودة لصنع السلام القائم على الحق والعدل، ووفقاً للقانون الدولي، فشعبنا لن يقبل بأي حال من الأحوال بالوضع القائم واستمرار الاحتلال، لهذا فإننا ندعم المبادرة الفرنسية الداعية لتشكيل مجموعة دعم دولية، وعقد مؤتمر دولي للسلام، وانشاء آلية متعددة جديدة للتوصل إلى حل ينهى الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، وعلى أساس حل الدولتين على حدود 1967، ومبادرة السلام العربية، والرباعية الدولية، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وتحديد جدول زمنى للمفاوضات، وآليات لمراقبة تنفيذ ما يتفق عليه. وكانت تقارير إعلامية قد ذكرت ان روسيا تدرس تعزيز دورها فى تدعيم التسوية السياسية للصراع الاسرائيلي- الفلسطيني، خاصة بعد اندلاع موجة جديدة من المواجهات بين طرفي الصراع فى المنطقة منذ اواخر 2015، وجاء ذلك بعد ان زار الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو موسكو فى زيارتين متتابعتين، حيث عقد كل منهما محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذى أعرب عن دعم بلاده للمفاوضات والمبادرة الفرنسية، والوصول بجميع الوسائل الى حل الدولتين موضحا أن روسيا ستقدم دعهما للجهود الفلسطينية بهدف تنشيط كل ما هو ضروري لبدء حوار بناء، وان روسيا ستكون حاضرة على المائدة بحكم عضويتها فى الرباعية الدولية.
* حماس تعلن رفضها
كان من الممكن ان تصمت حماس ولا تعلن موقفها وتراقب من بعيد خصوصا ان الخطوة إن قدر لها النجاح ستمثل الخلاص من اقدم احتلال على وجه الأرض، لكنها أعلنت رفضها للمبادرة الفرنسية معتبرة إنها مضيعة للوقت، وقال المتحدث الرسمي باسم الحركة، سامى أبو زهري، فى تصريح لوكالة الأناضول التركية، إن حركته ترفض هذا المؤتمر وتعتبره ملهاة ومضيعة للوقت، وخدمة مجانية للحكومة الإسرائيلية التي تواصل انتهاكاتها اليومية بحق الفلسطينيين، وحذر أبو زهري من قبول أي صيغة من شأنها أن تضر بالشعب الفلسطيني، ومصالحه الوطنية وحقوقه الثابتة، وقال إن المؤتمر الفرنسي أو غيره من المؤتمرات الدولية الرامية لاستئناف المفاوضات، لن تقدم أي جديد، فى ظل التنكر الإسرائيلي للحقوق المشروعة، وتستهدف إشغال الشعب الفلسطيني عن انتفاضته التي تبلورت فى القدس كل مدن الضفة.
*وإسرائيل تتحفظ
منذ اللحظة الأولى وإسرائيل تبدى امتعاضا من الفكرة الفرنسية وتتعاطى معها بسلبية وعلق نيتانياهو، بقوله إن “العرض الذى قدمته باريس يحض الفلسطينيين على التراجع عن الدخول فى مفاوضات، طالما أنهم سيحصلون على مآربهم إذا فشلت، ورغم تراجع باريس بعد ذلك عن مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية حال فشل انعقاد المؤتمر، لكن هذا الأمر لم يثن نيتانياهو عن قبول الخطوة الفرنسية بدون شروط، حيث أدلى بتصريحات للصحفيين فى وقت سابق، زعم خلالها أنه لا يعرف ما الذى تتضمنه المبادرة الفرنسية، مضيفا أنه يعتقد أن الفرنسيين أنفسهم لا يعلمون تفاصيلها. والحقيقة ان إسرائيل لا تريد غير رعاية واشنطن التي تنصاع لضغوط اللوبي الصهيوني ولا تفرض على إسرائيل حلولا مؤلمة بل وتتفهم طبيعة اليمين الإسرائيلي ولا تمارس أية ضغوط، وظهرت المواءمات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل فى جولات التفاوض السابقة، حيث عملت واشنطن على إشغال الفلسطينيين بالمفاوضات، لكنها فى الوقت ذاته وفرت الظروف المواتية لمواصلة إسرائيل سياساتها فى ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتبنت الرؤية الإسرائيلية وتهاونت مع التعنت الصهيوني، فى مقابل الضغط على الطرف الفلسطيني، مما أفشل المفاوضات.