دولي

استهداف الأقصى وأولوية الحفاظ عليه

حكمت نعامنة

 

 

 

"انتظروا، انتظروا"... نادى الضابط المسؤول في وحدة جيش الاحتلال في المسجد الأقصى على المقتحمين الدائمين بين أسواره، "لا تخرجوا الآن فالوقت لم ينته بعد، بقي منه ربع ساعة"، فعادوا إلى رحاب المسجد الأقصى ليكملوا تدنيسهم. خرج آخر قطيع من المقتحمين الساعة 11:30 ظهرا، ففي كل يوم في نفس التوقيت (7:30 - 11:30 صباحا) يجري نفس الأشخاص - بزيادة أو نقصان - جولات استفزازية في محاولة للتقدم اليومي في نوعية الانتهاكات والتدنيس، وفي المقابل تقوم قوات كبيرة خاصة ومدربة بحراسة المقتحمين، ومنهم عرب مختصّون في الصيد، لأنهم الأفضل في التعرف على الوجوه. مئات من العناصر من جند وشرطة الاحتلال بالإضافة لكاميرات المراقبة وأجهزة التنصت، نصبت في كل زاوية بالبلدة القديمة وعلى أبواب المسجد الأقصى، ومن المطلات كجبل الزيتون وغيرها، للحفاظ على 'الوضع القائم'. الوضع القائم' غير قائم من الأصل؛ إذ يختلف تعريفه بين العالم الإسلامي والمؤسسة الإسرائيلية. فهو يعني إدارة الأوقاف الإسلامية لشؤون المسجد الأقصى، كونه وقفا إسلاميا خاصة، فيما يتعلق بتحديد من يحق لهم دخول المسجد الأقصى. لكن التفسير الإسرائيلي يختلف عن ذلك؛ حيث يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي على السماح للمجموعات اليهودية بأداء صلواتهم في المسجد، الأمر الذي يراه المسلمون محاولة لتغيير الواقع، فضلا عن تقييد دخول المصلين المسلمين إلى المسجد بأعمار وفئات محددة. نتفهم' محاولة العديد من حكام الدول العربية للحفاظ على كراسيهم، فالأولويات عندهم تختلف عن فهمنا نحن المسلمين، فقضية الأقصى هي ورقة قوية بيد الحكام للضغط من خلالها على المؤسسة الاسرائيلية والصهيونية العالمية، وإجراء صفقات ومعاهدات، هدفها طبعاً، البقاء في مناصبهم. أما المؤسسة الإسرائيلية والصهيونية العالمية فما حاجتها "لوجع الرأس" بما يتعلق في المسجد الأقصى - أعتذر منكم (الحرم الشريف) - وهو المصطلح الذي تستخدمه المؤسسة وغالبية الصحف والإذاعات العربية في الداخل الفلسطيني؟!

الجواب بسيط، لا يمكن لدولة اليهود البقاء من دون الهيكل المزعوم. والمعادلة أبسط؛ عليهم بناء الهيكل للاستمرار في التمدد والبقاء في دولة اليهود، كما قال بن غوريون "لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل". لكن سؤالي هنا أوجهه للأهل في الداخل الفلسطيني ومن ثم إلى كل مسلم: هل الحفاظ على مسرى رسولكم من أولوياتكم؟ من اهتماماتكم؟ هل تشعرون بالتزام ما نحو أقصاكم؟ لست أنا من يحتاج إلى إجابة، فإجابات المؤسسة الصهيونية قد صمّت أذنيّ؛ اعتقالات، ضرب، قتل، هدم، اقتحامات، تخويف، انعدام الأمان، تهجير، محاربة في لقمة العيش، مطاردة، حرب نفسية.... وتقف خلف تلك الممارسات قوات الاحتلال بكل أذرعها؛ طواقم البلدية، العملاء، موظفو المؤسسات المدنية والتأمين الوطني والصحي، ويديرها طبعا زعران المخابرات. لحظة إن سمحتم لي، فهناك ردٌّ جديد؛ توقيف النساء وضربهن، اقتحام بيوت النساء واعتقالهن، تعذيب النساء وإبعادهن عن البلدة القديمة ومدينة القدس... أعتذر مجددا، فالردود لا تتوقف، وقد وصلني قبل قليل ما هو جديد؛ توقيف الشيوخ والمسنين، بل اقتحام بيوتهم وضربهم واعتقالهم في السجون وتعذيبهم!!! وهناك رد أشمل؛ إغلاق الحركة الإسلامية ومؤسسات أهلية واستهداف أعضائها، تعريف كل من يتواجد في الأقصى كمرابط وإخراجهم عن القانون، اتفاقيات مع الأردن والسلطة لإحلال "السلام" في الأقصى ليدخل كل من يريد ويفعل ما يشاء... ويتم تصويرهم بكاميرات بإنجاز هو الأول في العالم العربي، تركيب كاميرات في قلب المسجد الأقصى. فهو انتصار كبير لسياسة الأردن حتى تشاهد الاقتحامات الجماعية، أقصد، التعايش المشترك، بين المسلمين واليهود في قلب المسجد الأقصى، أقصد "الحرم الشريف". زعران المخابرات وإسكات الصوت

في نوفمبر/ تشرين ثان 2015 تم استدعائي لمكاتب المخابرات في منطقة سخنين، وتلقيت هناك تهديدًا مباشرًا بلغة دون المستوى بأنهم سيغلقون مكاتب 'كيوبرس'. للحقيقة أقول إنني لم أعِر ذلك أي اهتمام. وبعد فترة قصيرة تم إخراج الحركة الإسلامية ومؤسسات أهلية، وتلاها في شهري 1 و2 من العام الحالي استدعائي للتحقيق وتهديدي مجددًا بإغلاق 'كيوبرس'، فكان جوابي أنكم تدّعون حفاظكم على أمن المواطنين، فإن كانت 'كيوبرس' تشكل تهديدا لهذا الأمن لماذا لا توضحون لي بماذا أخطأت كيوبرس؟ فما كان من المحقق إلا أن صمت وتحول إلى موضوع آخر. وفي مطلع الشهر الحالي نيسان/ أبريل تم إنتاج فيلم "تحت الأقصى" الذي يبين الأنفاق في محيط وأسفل المسجد الأقصى، وتكلم فيه شيخ الأقصى رائد صلاح وأحد المختصين اليهود في علم الأثار، حيث اتفق المتكلمون في الفيلم على مدى خطورة الأنفاق. إلا أنه تم استغلال الفيلم من خلال الإعلام العبري وزعران المخابرات، حيث بدأت حملة التحريض والتدليس على الشركة التي أنتجت الفيلم، وعلى 'كيوبرس' التي نشرته كأي مؤسسة إعلامية أخرى. ومن ثم تم استغلال الفيلم لتوجيه تهديد مباشر من 'بيبي نتن ياهو' للشيخ رائد صلاح، واتهمونا بأننا نحن من نشعل المنطقة. وبعد أسابيع نشر أحد المواقع العبرية تقريرًا عن نجاح اليهود في إقامة عقد قران في المسجد الأقصى، فأخبروني من هو الذي يشعل المنطقة؟ رسالتي باختصار أننا لن نصمت عن أي اقتحام للمسجد الأقصى المبارك؛ فهو حق خالص للمسلمين، ولا يوجد أي حق لليهود في ذرة تراب من 144 دونما بين أسواره، وتحت الأقصى وفوق الأقصى للسماء السابعة والأرضين السبعة. وأكرر هنا ما قاله الفاتحون والعلماء للفلسطينيين والمسلمين على مر التاريخ؛ إن هذا أقصاكم، فمن تنازل عنه أو عن جزء منه فهو خائن، ومن يصمت عن الانتهاكات في الأقصى فهو خائن.... فماذا أنتم فاعلون؟

القلم الفلسطيني 

من نفس القسم دولي