دولي

"إسرائيل"… بؤرة الإرهاب في العالم

القلم الفلسطيني

الدولة العِبْرية تلازمها دائماً عقدة «الأصل غير الشرعي» لوجودها؛ فقد ظهرت في سياق ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كانت كل دول العالم وشعوبه تتجه نحو تصفية الاستعمار والسعي إلى الحرية والتحرر من أسر الهيمنة والسيطرة واستعادة الكرامة والهناء، وقامت لهذا الغرض مؤسسة الأمم المتحدة من أجل حفظ السلام والأمن في العالم.  كما كانت جميع هذه المفاهيم سائرة إلى الاستقرار في وعي الشعوب كحقائق ملازمة للعقل الحديث والمعاصر، ويأبى أن يتخلى عنها في المطلق. قامت "إسرائيل" بناء على قرار الأمم المتحدة 181 لعام 1947 في زمن سيطرة نادي الكبار على مقاليد مجلس الأمم، الذي أضفى «الشرعية الدولية» على ميلاد دولة "إسرائيل" في منطقة غريبة عنها تماما، تعاني إلى اليوم محاولة عبثية للتكيف والتطبيع مع معطيات تاريخ وجغرافية الشرق الأوسط. وميلاد دولة "إسرائيل" على هذا النحو عبَّر عن فكرة جديدة للاستعمار في العصر التكنولوجيثم الفائق، لأن الكيان الإسرائيلي تصرّف كمشروع متحرك نحو مزيد من التوسع، وعائق لتنمية العرب وقدراتهم على رفع التحديات الجديدة لاستيعاب الحداثة في مجمل مظاهرها.

وهكذا، فالميلاد غير الشرعي الذي تحدث عنه المؤرخون الإسرائيليون الجدد، هو عقدة الخطيئة الأصلية التي لم تنحل إلى اليوم، لا بل لا زالت تعبر عن نفسها بالمزيد من الإرهاب والعنف، ويمكن أن نقرأ فيها كل الإرهاب الذي تعاني منه المنطقة وامتداداتها إلى سائر العالم.  فقد صارت "إسرائيل" الكيان الاصطناعي الشاذ يمارس الفكرة الاستعمارية في عهد زوال الاستعمار ذاته: كيف لكيان وجد بفضل الاستعمار يتولى بدوره تنفيذ مشروع استعماري؟ تلك هي العقدة التي لازمت الكيان العِبْرِي، ولم يوفق إلى حلِّها إلى حد الآن. إن "إسرائيل" في العصر الفائق تكثف كل معاني الظلم والحيف والإجحاف والإجرام في حق الشعوب العربية والشعب الفلسطيني خاصة، الذي صار ينغّص عليها الوجود والبقاء والحياة وهي بالتالي، أي "إسرائيل"، تبطن الإرهاب المؤسساتي الذي ترعاه الدول الاستعمارية السابقة.

فدولة إرهابية بامتياز تضمر وسائلها الإرهابية في كيان الدولة ذاتها وتحظى «بشرعية دولية فاسدة»، باعتبارها من مخلّفات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وحلاً غير ناجع للمعضلة التاريخية لأوروبا مع السامية اليهودية. كل ذلك جعل الكيان العِبْري لا يقوى على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويراها دائماً النفي التاريخي والوجودي له.  وعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، هو الذي يعطيها إمكانية وصف جميع التنظيمات الفلسطينية بأنها منظمات إرهابية، لأنها خارجة عن طوق المؤسسة الفلسطينية الرسمية، أي الدولة الغائبة، وهذا الغياب الذي تريده "إسرائيل" هو الذي يعطي لها «الحق» في ملاحقة بالعنف والإرهاب كل محاولة للمقاومة، لا بل إبطال مفعول المقاومة، إذا لم نقل تغيير معنى المقاومة وهذا هو الإرهاب المطلق.  في نهاية التحليل، إن هذا النوع من الوجود يوصف الوضع بأنه وضع سرطاني، لا يلبث أن تستشري تداعياته وآثاره في بقية المناطق ويجعل من دولة "إسرائيل" بؤرة حقيقية للإرهاب في العالم. هكذا إذًا، طبيعة الوجود الإسرائيلي في المنطقة، بؤرة لتغذية الإرهاب والتفكير الدائم فيه على اعتبار أن هذا الوجود قائم على معادلة خاطئة في الأصل، ويراد لها أن تحل بإسقاط الطرف الفلسطيني، بعد الفشل الذريع لمحاولة إسقاط مجموعة من البلدان العربية، طوال العقود الزمنية الماضية، حيث عمدت "إسرائيل" إلى إبرام معاهدات صلح و»سلام» مع بعض دول الجوار: مصر والأردن.  وقد تبين، بلا ظل من ريب، وبعد قرابة من العقدين مع عملية السلام مع الفلسطينيين، أن "إسرائيل" لا تطيق حديث الشرعية في زمن الشفافية والديمقراطية على مستوى العالم، وأصبحت في الآونة الأخيرة تشعر بأنها ولجت المأزق الحقيقي عندما صارت تخوض حروبا مع تنظيمات حزبية، وليس مع دول: حرب يونيو 2006 مع حزب الله شمال إسرائيل، وحرب مع تنظيم حماس في غزّة المحتلة، ديسمبر/يناير 2008، وصيف 2014، ما يعطي الانطباع للمحلل السياسي أن "إسرائيل" يضيق بها المكان أو أن الأرض تطوى من تحتها.  وعليه، فإن "إسرائيل"، عند نهاية التحليل، وكما بدت في العقود الأخيرة، خاصة بعد معاهدة كامب ديفيد 1978/1979، أنها كيان عِبْرِي يلبد الأجواء الصافية والسلام والشرعية، ويأبى العيش الآمن. ومن فرط تمسكها بالحق في الأمن، رسمت لنفسها سياسة استدعاء التلويح بالتهديد والاستفزاز المواجهين لها باللجوء إلى الحرب المسلّحة، كأفضل طريقة للرد على «العنف» و«الإرهاب» ومن ثم؛ الاستمرار في الوجود. اصطناع الذرائع ومسوغات الاعتداء على الفلسطينيين سياسة ثابتة للسلطة الإسرائيلية، تريدها من حيث المقصد والسياق وفي النهاية، فالاعتداءات عادة ما تتم قبل الانتخابات التشريعية، يفوز فيها الحزب الأكثر فتكا بالفلسطينيين والأكثر شراسة حيال العرب والمسلمين، وهذا ما غذّى ولا يزال يغذي الإرهاب في كل العالم، لأن بؤرة الفساد والظلم القائمة في "إسرائيل" صارت، بحكم العصر الفائق، تتداعى لها بقية الأطراف على ما يجري اليوم في المنطقة العربية، وترددات ذلك في كافة مناطق العالم.

 

نورالدين ثنيو 

من نفس القسم دولي