الوطن

تأطير وتنظيم سوق العملات خطوة متأخرة تحتاج لعمل سنوات

فتح مكاتب صرف لن يتم دون إشراك نشطاء العملة الصعبة في الأسواق الموازية

 

قررت الحكومة أخيرا فتح مكاتب صرف من خلال إقرارها نظام جديد ينظم عمل هذه المكاتب سيصدر في الجريدة الرسمية قريبا، هذه الخطوة التي تأخرت كثيرا وكانت محل جدال ونقاش لدي الدوائر الاقتصادية على مدار السنوا ت الفارطة  جاءت بحسب الكثير من المحللين والخبراء كمحاولة تدخل في سياق استقطاب رؤؤس الأموال المتداولة خارج القنوات الرسمية وجلب العملة الصعبة التي تتداول في سوق السكوار وغيرها من الأسواق السوداء واعتبر المحللون أن أعادة مراجعة نظام الصرافات في الوقت الحالي لن يأتي بنتيجة إن لم تكن هناك مراجعة للنظام المالي والمصرفي ككل وإشراك النشطاء في السوق السوداء مقترحين شروط تسهيلية في النظام الجديد من أجل تفعيل فتح هذه الصرافات بصفة حقيقية وليس مجرد أجراء يبقي دون تحقيق مثلما حدث مع الإجراء الأول.

ورغم أن بنك الجزائر ومسئوله الأول محمد لكساصي لم يعط تفصيل هذا النظام الجديد الذي تم استحداثه مؤخرا إلا أن الخبراء أكدوا أن هذه الخطوة جاءت من طرف السلطات العمومية كخطوة أستعجالية بعدما عرفت السوق الموازية للعملة الصعبة تطورا كبيرا على حساب السوق الرسمية في ظل عدم فعالية التدابير المعمول بها في مجال مراقبة الصرف والتحويلات المالية، واتساع رقعة التعاملات التي تبقى خارج نطاق البنوك والمؤسسات المالية، حيث تعرف دائرة السوق الموازية منذ سنوات اتساعا إلى درجة أصبحت بديلا للبنوك في مجال التعاملات الخاصة بالعملة الصعبة، كما أصبحت مقياسا لمستوى سعر الصرف الفعلي للدينار مقابل العملات الرئيسية، وأمام كل هذا لم تفلح الحكومة في أيجاد صيغة مناسبة لاستقطاب السوق الموازية، رغم التحفيزات التي أعلن عنها الوزير الأول عبد المال سلال منذ أشهر ودخول عدة إجراءات حيز التنفيذ في هذا الصدد كملت الإجراءات  التنظيمية والقانونية في أعقاب إقرار قانون الصرف والنقد رقم 90-10 الصادر في 14 أفريل 1990 وتأطير عمليات الصرف على خلفية التنظيم رقم 95-07 الصادر عن بنك الجزائر بتاريخ 23 ديسمبر 1995 المعدل والمتمم للتنظيم رقم 92-04 الصادر في 22 مارس 1992 المتعلق بمراقبة الصرف، ولكن بالخصوص التعليمة رقم 13-97 الصادرة في 10 ديسمبر 1997 المعدلة والمتممة للتعليمة رقم 08-96 بتاريخ 18 ديسمبر 1996 المحددة لشروط إنشاء واعتماد مكاتب الصرف. إذ فشلت السلطات العمومية، رغم مرور 16 سنة على اعتماد أي مكتب صرف، بل أن البنوك العمومية لم تتمكن من إقامة مثل هذه المكاتب، بالنظر لمحتوى النص الذي لم يكن تحفيزيا للمتعاملين، لاسيما الهامش الذي تستفيد منه مكاتب الصرف. فالمردودية تبقى هامشية ولا تشجع الصرافين النشطين في السوق الموازية للانخراط في السوق الرسمي عبر مكاتب الصرف، ما لم يسمح بتطبيق الإطار القانوني، كما أنه ووفقا للقوانين المعمول بها  سابقا  فإن بنك الجزائر هو المخول قانونا لمنح الاعتمادات لمكاتب صرف التي تقوم بعمليات البيع والشراء مقابل العملة الوطنية الدينار، بينما لا يسمح للمقيمين بشراء العملة مقابل الدينار، كون الدينار غير قابل للتحويل، وهو أحد النقاط التي تطرح كإشكال إلى جانب هامش الربح المقدر بـ1 بالمائة. ويشترط لفتح مكتب صرف أن يتمتع المكان بمواصفات خاصة، كما يلزم صاحب المكتب بعرض دوري ومنتظم للتسعيرات الخاصة بالتداول شراء وبيعا لكافة العملات، والاستفادة من قيمة مالية على كل عملية بيع وشراء للعملية تكون على شكل عمولة مقيدة بالدينار الجزائري،و هي كلها شروط جعلت من مكاتب الصرف حبرا على ورق،  ما جعل بنك الجزائر وأمام الأزمة المالية التي تعرفها الجزائر وحاجتها للعملة الصعبة يقرر  وضع نظام جديد أصدره مجلس النقد والقرض بتاريخ 06 مارس الجاري الذي سيصدر قريبا في الجريدة الرسمية، وحسب توضيحات مدير بنك الجزائر محمد لكصاسي فأن هذا النظام  يهدف إلى تأطير وتنظيم سوق العملات واستقطاب السوق الموازية منها بالخصوص، وتتضمن التدابير المرتقبة خطوات تهدف في محصلتها إلى تحجيم دور السوق الموازية للعملة واستقطابها في الدائرة الرسمية.

وحسب توقعات الخبراء الاقتصاديين والماليين  فإن الإجراءات التي يرتقب التركيز عليها في النظام الجديد هي هامش الربح الذي ينتظر أن يكون محفز بدلا من تقييده في حدود 1 بالمائة، وأن يتسم بالليونة وفقا لتقلبات أسعار الصرف، على غرار ما هو متعامل به في كافة الدول، فضلا عن تحفيزات في مجال العمولات المتحصل عليها وتبسيط العمليات الإدارية لإبعادها عن الطابع البيروقراطي وجعل النسب أو الهوامش محفزة أيضا.    

وبما أن البنوك والمؤسسات المالية مرخص لها بصفتها وسطاء معتمدين لإنشاء مكاتب الصرف، فإنه يرتقب أن تقوم بذلك لتشكل الإطار العام للنشاط، موازاة مع استقطاب جزء من العاملين في السوق الموازية التي تستقطب ما بين مليار و 5  مليار دولار على الأقل في تقديرات غير رسمية، وهو مكمن القلق لدى السلطات العمومية التي تسعى إلى ضمان إخراج هذه السوق من الدائرة غير الرسمية إلى الدائرة الرسمية لتفادي التدفقات المالية غير المراقبة وعمليات تبييض الأموال.

لكن الأشكال يكمن في قدرة بنك الجزائر على استقطاب هؤلاء النشاط الذين يفضلون السوق الموازية كون نشاطهم لا يخضع للرقابة ولا للضرائب ما يعني أن هذه الخطوة مصيرها الفشل أن لم تنجح الحكومة في إشراك أصحاب الأموال الموجودة في السوق الموازية ووضع  إجراءات أكثر ليونة لفتح صرافات رسمية أكثر من تلك التي اتخذتها الحكومة من أجل استقطاب رؤوس الأموال في السوق الموازية.

 
س. زموش

من نفس القسم الوطن