دولي

هكبلاه: "الصوفية" اليهودية

القلم الفلسطيني

 

هكبلاه، كلمة عبرية تعني: "القبول" و"التقبل"، وتعني اصطلاحاً: الصوفية اليهودية. وللصوفية في النسق الديني اليهودي دلالات خاصة تختلف عن دلالاتها في الدين الإسلامي؛ فالصوفية اليهودية تدور في إطار حلولي؛ حيث يحل الإله في الطبيعة والإنسان والتاريخ ويتوحد معها، وبخلاف المتصوفة في النسق الإسلامي فإن المتصوفة اليهود لا يميلون للقسوة على النفس من أجل التقرب للخالق، بالإضافة إلى أن المتصوفة المسلمين يعبرون عن حبهم للإله ويسعون للتقرب منه، مع يقينهم باستحالة التوحد معه، على اعتبار أن هذا يتناقض مع الإيمان التوحيدي؛ في حين أن المتصوف اليهودي يؤمن أنه بإمكانه حتى بدون زُهد الوصول إلى الإله والتوحد معه، والتأثير بالتالي في الإرادة الإلهية. من هنا فإن المتصوف اليهودي لا يتجه نحو تطويع الذات الإنسانية الفردية لخدمة الإله، وإنما يحاول الوصول إلى فهم طبيعة الإله من خلال التأمل والمعرفة الكونية بهدف التأثير في الإله. من هنا كذلك كان ارتباط الكابلاه لدى اليهود بالسحر. وتؤمن "الكابلاه" بأن للنصوص الدينية تأويلات لا يمكن أن يستخرجها إلا الحاخامات الذين أزيلت عنهم الحُجُب وأصبحوا يرون بنور الخالق. ويطلق على هؤلاء الحاخامات "موكوباليم"، ويحظون بمكانة أكبر من بقية الحاخامات، وتعتبر هذه الفرقة أن الإيمان بتعاليم حاخاماتها يؤدي إلى خلاص الفرد والجماعة وأحد المعتقدات الرئيسة في "الكابلاه" هو مركب الاستعلاء التام للروح والجسد اليهودي على روح وجسد غير اليهود، حيث تؤمن "الكابلاه" بأن الكون صنع كله من أجل اليهود، حيث كان اليهود في البدء، ثم جاء فيما بعد خلق غير يهود كأمر ثانوي. من هنا فقد لعبت "الكابلاه" دوراً في تحديد نظرة اليهودي تجاه الآخر؛ لذا نجد أن أكثر الحاخامات جرأة على إصدار الفتاوى التي تدعو للمس بالعرب هم المكوباليم.

ولم تستمد "الكابلاه" أفكارها من التراث اليهودي فقط؛ بل اتجه حاخاماتها للتجديد، فحتى ظهور "الكابلاه"، كان الاعتقاد الجازم أنه سيكون هناك مسيح مخلص واحد سيظهر آخر الزمان لإنقاذ اليهود ويقودهم لإقامة مملكة "إسرائيل"، لكن "الكابلاه" ارتأت أنه سيكون مسيحان، أحدهما حربي ويدعو "المسيح بن يوسف"، وهو الذي سيمهد الظروف المادية التي تسبق الخلاص، والثاني سيكون "المسيح بن داود"، الذي سيخلص اليهود بمعجزة مذهلة؛ وقد ارتأى الحاخام أفراهام كوك المتأثر بالفكر الكابالي أن المسيح الأول سيكون "كياناً جماعياً"، يقصد "إسرائيل". وقد قام الحاخام تسفي نجل الحاخام كوك بتطوير مفهوم المسيح معتمداً على ما جاء في التوراة من أن "المسيح سيأتي راكباً على حمار وعلى ابن أتان"، وقد اعتبر كوك الابن أن الحمار الأول الذي يركبه المسيح هم اليهود العلمانيون الذين يستخدمهم في إقامة "مملكة إسرائيل"، مقابل تخليصهم من الخطايا.

ولقد عمم حاخامات "الكابلاه" فكرة الخلاص لتشمل حتى الحيوانات؛ ففي إحدى الكتب التي تدرس في المرحلة الابتدائية في المدارس الدينية يتم إيراد قصة البطة "الفاضلة"، التي أمسك بها فذبحت وقد جعلت طعاماً لحاخام مقدس، فكان خلاصها يتمثل في أن تناولها هذا الحاخام المقدس. وهناك تداخل واضح بين "هكبلاه" واليهودية التلمودية، واليهودية الأرثوذكسية التي تسيطر على الحياة الدينية في "إسرائيل" حالياً، حيث إن بعض كبار الحاخامات في اليهودية الأرثوذكسية يعتبرون أنفسهم من "مكوباليم"، ويحظون باحترام خاص. ويلاحظ أن هناك إقبالاً كبيراً على تعلم "هكبلاه" وتعاليمها حتى من العلمانيين. ويرى الحاخام يشياعهو تشيبي الذي يعد "حجة" في الكابلاه أن الخلاص في الدنيا يقتصر على اليهود وحدهم ولا يتجاوزه لغيرهم مطلقاً.ويقول: "بعض الناس في الأرض يجسدون عناصر الرب الإلهية الأربعة، وغير اليهود هم أرواح شيطانية جاءت من الوعاء الأنثوي للعالم الشيطاني، ولهذا فإن أرواح غير اليهود تمثل شراً، وإن قوة الشيطان تتمثل فيهم، وقد خلقت أرواح غير اليهود بدون معرفة الرب". ويعتبر حاخامات المتصوفة الأكثر تطرفاً تجاه الآخر غير اليهودي، وتتسم فتاواهم باستسهال المس بغير اليهود. ويقول الحاخام ليفوفافيتش، زعيم حركة "حباد" الحسيدية، وهو من حجج "الكابلاه" في العصر الحديث "يجب الحكم بالقتل على كل غير يهودي، يقتل جنيناً، لكن لا يمكن قتل يهودي لو قتل جنيناً". ودعمت حاخامات "الكابلاه" بقوة الحروب ضد العرب؛ فقد عارض الحاخام ليفوفافيتش وقف حرب عام 1973، والتوقيع على معاهدة التسوية بين مصر و"إسرائيل". ويفسر المفكر اليهودي يهوشافات هيركابي توجه الحركات الدينية وممثليها في الكنيست والحكومة لتحدي حتى أصدقاء إسرائيل وحلفائها بأنهم يجدون لزاماً عليهم تحدي الشيطان بكل ثمن.!

 

د.صالح النعامي

من نفس القسم دولي