الوطن

إنعاش الأسواق المالية... محاولة جديدة لإنقاذ الاقتصاد من "جيوب" الجزائريين ؟!

من خلال القروض السندية والتشجيع على دخول البورصة

 

تبحث الحكومة هذه الأيام على آليات من شأنها دفع حركية السوق المالي والبورصة التي تعرف منذ تأسيسها ركودا كبيرا وتحاول الحكومة من خلال هذه الخطوات إعطاء مصداقية أكبر للأسواق المالية كمحاولة جديدة لاستقطاب رؤوس الأموال المتداولة خارج القنوات الرسمية ليس عن طريق ايداعها بالبنوك وإنما عن طريق استثمارها في الأسواق المالية لكن هذه المرة "أموال الشكارة " ليست فقط المعنية بهذا الأجراء الجديد، وتأتي هذه الخطوة موازاة مع اقتراب عملية أطلاق القرض السندي الذي تحدث عنه الوزير الأول عبد المالك سلال منذ أيام ليبقي الرهان الموجود أما الحكومة هو كيفية تحسين أداء البورصة من جهة والعمل على نشر ثقافة استثمار جديدة توجه عموم المستثمرين للبورصة وتغيير الذهنيات الاقتصادية لدي المؤسسات ودفها لتبني الأساليب الحديثة في التمويل .

وقد كثفت وزارة المالية الفترة الأخيرة من نقاشاتها لضبط نظام مالي ومصرفي يمكنه استيعاب القروض السندية التي تنوي الحكومة أطلاقها والنموذج الاقتصادي الذي تحضر له  كان اخرها اجتماع وزير المالية عبد الرحمن بن خالفة مع مختلف المتدخلين في سوق البورصة اين تم الوقوف على الأليات التي من شانها دفع حركية السوق المالي في الجزائر واعطائه مزيدا من المصداقية وجاء التأكيد في الاجتماع الذي جمع الوزير مع لجنة مراقبة وتنظيم عمليات البورصة وهيئة الجزائر للتسوية (المكلفة بتأمين السندات) ومدراء البنوك وممثلين عن مصدري الأوراق المالية، على ضرورة الحوار والتجانس بين مختلف الكيانات من أجل إعطاء مصداقية للسوق المالين ويأتي تركيز الحكومة على "مصداقية السوق المالي" كون هذا الأخير يعاني هشاشة كبيرة فالبورصة الجزائرية ومنذ تأسيسها تعاني عجزا في أدائها وفاعليتها حيث لم تتمكن من تحقيق متطلبات التنمية المستدامة،  وهو ما جعلها تتذيل ترتيب بورصات شمال إفريقيا والشرق الأوسط، حيث احتلت الجزائر المرتبة 143 من أصل 148 دولة، في أخر تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي، نظرا للغياب الشبه التام للبورصة الجزائرية في تمويل نشاطات الاقتصاد الوطني، بالإضافة على كثرة القيود التنظيمية وضعف القدرات التنافسية وتراجع الأداء بالنسبة للإمكانيات الاقتصادية، رغم البحبوحة المالية والسيولة النقدية التي عرفها الجزائر، السنوات الماضية، وهو ما يؤكده الخبراء الاقتصاديون الذين يقرون ان البورصة تعاني وضعا هشا وهامشية في تمويل الاقتصاد الوطني، ما يعني أنه من غير الممكن التعويل عليها في الظرف الحالي، وهو ما يبرر حديث بعض المصادر مؤخرا أن الحكومة لن تطلق القرض السندي عن طريق البورصة بل عن طريق الخزينة العمومية لكن الامر المبهم كما يؤكده خبراء الاقتصاد أن البورصة باعتبارها سوقا ثانويا في حالة اطلاق الحكومة القرض السندي عن طريق الخزينة العمومية ستكون طرفا في هذه العملية حيث سيكون على الراغبين على سبيل المثال في التخلي عن قروضهم لسندية قبل انتهاء المهلة عرض هذه القروض للبيع عن طريق البورصة، التي تعد الفضاء الوحيد للتداول.

الحكومة مجبرة على تحسين آداء وفعالية البورصة قبل إطلاق القرض السندي 

 وعليه فان الحكومة مجبرة قبل أطلاق هذه القروض السندية على تحسين أداء البورصة من خلال تعزيز الثقة في  الأموال الاكتتابية من خلال نشر ثقافة الاستثمار لدي الجزائريين وهو العامل الذي يعد العائق الأكبر أمام القرض السندي التي تنوي الحكومة أطلاقه الجزائري يفتقر إلى ثقافة الاستثمار ويميل إلى تحقيق الربح دون مخاطرة أي ميوله للاكتناز على حساب الادخار وهي الصفة تم اكتسابها خلال مسيرة الاقتصاد الوطني التي طغت فيها ثقافة من نوع خاص جعلت من الدول المبادرة بالاستثمار وإقصاء مبادرات القطاع الخاص وإعطاء الأولوية للقطاع العام الذي تطلب استثمارات ضخمة مما أفقد المستثمرين الخواص روح المبادرة والتطوير، عامل أخر يحد من فعلية البورصة الجزائرية وهو ضيق الســوق حيث يقترن دائماً نشاط البورصة في أي دولة  وخاصة الناشئة منها بعدد الأوراق المالية المتداولة فيها ومنه تنوع الأوراق المالية للمستثمرين، الأمر الذي يعد بمثابة حافز لهم وهو ما لا ينطبق على  البورصة الجزائرية حيث يتم تداول مالا يزيد عن أربعة قيم وهي لا تشكل في نظر الاختصاصيين سبباً لوجود هذه السوق من أساسه، من جانب اخر فأن الحكومة مدعوة لنشر ثقافة استثمار جديدة توجه عموم المستثمرين وخاصة المؤسسات الاقتصادية وتحسيس القائمين عليها بأهمية الابتعاد عن الأسـلوب التقليدي في التمويل عن طريق المصارف ودفع أكثر لتبني الأساليب الحديثة في التمويل بالوساطة المالية ولن يتحقق هذا الأمر إلا بإرساء الدولة لأنظمة إدارية ورقابية خاصة الضريبة منها تأهيل المؤسسات الخاصة إلى دخول البورصة. ومن المهم كذلك إصـلاح المنظومة المصرفية الجزائرية التي طالما مارست مهامها في ظل تبعية كاملة للدولة مما أفقدها فاعليتها في لعب دورها الحقيقي وحث المؤسسات المالية التي تلعب دور الوساطة المالية لاسيما المصارف التجارية على الاستثمار في الأوراق المتداولة في البورصة فهي تستحوذ على قاعدة عريضة يمكن أن تشكل حلا أمام بورصة الجزائر خاصة في استقطاب فارق العرض والطلب وبالتالي منح السوق درجة سيولة أكبر.

الجدير بالكر أن المدير العام لبورصة الجزائر يزيد بن موهوب،  أبدي استعداد هذه الأخيرة لمرافقة عملية القرض السندي للدولة التي أعلن الوزير الأول عبد المالك سلال عن إطلاقها في أفريل المقبل، وأشار إلى أنه في حال تقرر تمرير هذه العملية عبر البورصة، فستكون نسبة الفائدة للقرض السندي المحددة بـ5 بالمائة معفية من كل الرسوم. كما توقع نفس المسؤول حركية أكبر في سوق البورصة بالجزائر خلال السنة الجارية مع دخول مؤسستين جديدتين بداية من أفريل المقبل والتحاق مؤسسات أخرى فيما بعد بفضل الإجراءات المشجعة وتوجيهات الحكومة للمتعاملين والمؤسسات، غير انه من المتوقع ان تطل الحكومة القرض السندي عن طريق الخزينة العمومية لكن الاشكال بالنسبة لعدد من الخبراء ليس أطلاق القرض عن طريق البورصة أو الخزينة وانما هو كيفية التمكن من تعويض الزبائن على مدى 10 سنوات، وهو الحد الأدنى لإمكانية بيع السند بالاكتتاب أو التنازل عنه، ويتعلق الأمر بعدد من المؤسسات العمومية التي تعاني مشاكل مالية وعلى راسها سونلغاز  التي تواجه عجزا يتجاوز 1200 مليار سنتيم، فحتى في حال بيع سنداتها ستكون من جهة أخرى مضطرة للاستدانة من الخارج لقضاء حوائجها ما يعني أن صيغة القرض السندي ككل لن تكون لها نتائج إيجابية.

 
س. زموش

من نفس القسم الوطن