دولي

حين تصبح معاداة الصهيونية معاداة للسامية

القلم الفلسطيني

 

خلال مأدبة عشاء سنوية نظمها مجلس ممثلي المؤسسات اليهودية في فرنسا، في السابع من مارس الجاري، وحضرها نحو 800 شخصية، من بينها وزراء حاليون وممثلون عن الأحزاب والجمعيات والمؤسسات الدينية المختلفة في فرنسا (منها رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية)، خاطب رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، الحضورَ، منطلقاً من نصّ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي اعتذر عن عدم الحضور، لوجوده في عمل خارج فرنسا، ليحيد من ثم عنه، مطلقاً جملته الشهيرة: "هنالك معاداة الصهيونية، وهي بكل بساطة مرادف لمعاداة السامية وكراهية إسرائيل". ورداً على تخوفاتٍ، أبداها رئيس مجلس ممثلي المؤسسات اليهودية في فرنسا، قال فالس: "نعم، هذه حقيقة، ونحن لا نقبلها. يهود فرنسا خائفون، وهذه حقيقة"، مندّدا بـ"الشباب الراديكالي" و"الإرهاب الإسلامي"، وهي عبارات لم ترد في نص خطاب الرئيس الفرنسي الذي حرص، بعد هجمات 13 نوفمبر، على ألاّ يحمّل المسلمين في فرنسا نتيجة الأعمال الإرهابية. سبق لفالس أن أعلن مساندته دولة إسرائيل، من دون أن تُحسب مواقفه هذه على الموقف الرسمي للدولة الفرنسية، فقد صرّح منذ بضع سنوات: "أنا مرتبط من ناحية زوجتي، بصفة أزلية بيهود إسرائيل"، إلا أن جملته التي تساوي بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية أربكت أكثر من منظمة وجِهة، وحملتها على التساؤل إن كانت سياسة فرنسا حيال العرب والمسلمين قد اختلفت كليةً لتصبح مائة في المائة إلى جانب سياسة الدولة الإسرائيلية. الطريف في الأمر أن صحيفة لوموند المعروفة، ارتأت أن تحوّر في النسخة المحدثة من المقال الذي نشر باكراً، في اليوم التالي لمأدبة العشاء، جاعلة تصريح فالس يبدو كأنه أمر غير مقصود، أو نتيجة سوء فهم أو اختلاط في المعنى، إذ عنونت: "مانويل فالس يخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية"! تجدر الإشارة، هنا، إلى أن المؤتمر الصهيوني العالمي الذي عقد عام 2002 في القدس اتخذ مجموعة من القرارات، كان من أهمها المتعلّق "بتكوين مجموعات عمل، في كل البلدان حيث تقتضي الضرورة، تعمل مع الهيئات التشريعية، لتبنّي قانون يعاقب معاداة السامية، معاداة الصهيونية، ونفي الهولوكوست"...

بإيجاز، يعني ذلك السعي إلى تكوين كتلة يهودية ودولية، لدعم سياسة مجموعة من اليهود من اليمين واليمين المتطرف، لتكون هي، أي الكتلة، ممثلةً لكل اليهود، أكانوا إسرائيليين أو من الشتات. ومن لا يوافق سيتعرّض للهجوم، وسيتم اتهامه بمعاداة السامية، لا بمعاداة الصهيونية فحسب، طالما أن الأمر في الحالتين بات سيان. ويعني ذلك أيضاً أن المطلوب على المستوى الفرنسي، مثلا، هو المصادقة على هذا "الخلط" الذي يرى في الصهيونية رديفاً للسامية. هل يجهل مانويل فالس، أم تراه يتجاهل، أن من بين كبار المعادين للصهيونية، وذلك منذ قيام دولة إسرائيل، مثقفين ومفكرين وفلاسفة وكتّاباً من أصل يهودي كانوا يرفضون دوماً القومية اليهودية، وقيام وطن قومي لليهود في أي مكان من العالم، داعين إلى الاندماج والمساواة. الأسماء عديدة، ولا مجال لذكرها في هذه المقالة الموجزة، إنما ينبغي ربما تذكير مانويل فالس الذي لفظ جملته "المعبّرة" جداً تلك، أن هؤلاء اليهود، المعارضين لقيام وطن قومي، لطالما كانوا مصرّين على الانتماء إلى يهوديّتهم كثقافة، وليس كدين، أي كمجموعة قيم إنسانية وروحية، يمكن لها أن توجد في أي مكان، وليس في بقعةٍ جغرافيةٍ بعينها، كما أنهم كانوا يرون في مفهوم "الأرض الموعودة" الذي تستند إليه الرواية المؤسّسة للدولة الإسرائيلية بُعداً ميتافيزيقياً، موطناً روحياً، ومكاناً رمزياً غير واقعي، وليس أرضاً جغرافية، يطرد منها أهلها، ويتم عزلها بأكاذيب وأسلاك شائكة وجدران...

نجوى بركات

من نفس القسم دولي