الوطن
عمار غول يؤسس لحزب المواطنة والتجديد
بين جدلية المشاركة وحتمية القطيعة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 03 جولية 2012
لم يعد سرا إجراء عملية واسعة النطاق وسط التيار الإسلامي لتجميع شتات الغاضبين من أداء وحصيلة التحالف الإسلامي، المتكون من (حمس، النهضة والإصلاح) لتكوين كتلة جديدة يقودها الناشط شبه "المنشق" النائب عمار غول. عملية أكدتها تسريبات جاءت على شكل تقارير إعلامية وسياسية.
وجاءت عملية الاستقطاب هذه على خلفية الجدل القائم حول مشاركة حركة مجتمع السلم (حمس) أو امتناعها من تزكية وزرائها للبقاء في الحكومة كامتداد لسياسة المشاركة في ظل استنكار نتائج انتخابات ماي الماضي. ودخلت حمس كما هو معروف دوامة المغالبة في ظل احتجاجها على نتائج التشريعيات، التي لم تمنحها وسط التحالف الإسلامي المُسمى من أجل "جزائر خضراء" سوى 33 مقعدا من أصل 48 وهي التي كانت لوحدها تحوز مجموع مقاعد التحالف الثلاثي الجديد.
وخلقت حركية التغيير التي عرفها الوطن العربي وهيمنت عليها قوى التيار الإسلامي، مشرقا ومغربا، ظروفا وجوا سياسيا محفزا يساعد على فرض منطق الإسلاميين الجزائريين للاستثمار في "ثورة هادئة" بهدف صنع التغيير على الطريقة الجزائرية، وذلك من خلال تعديل بوصلة المشاركة في العملية الانتخابية بمنطق القوة العددية وجمع الوعاء الانتخابي وليس التحالفات الظرفية مع أحزاب تهمها المنافع الآنية الضيقة قبل التفكير في ضرورة التحالف من أجل التغيير والصالح العام. وهي غير معنية في الحقيقة بأي شكل من أشكال التغيير ما دامت هي مصدر كل السلطة. فخرجت حمس من التحالف الرئاسي الذي كانت تقل فيه مؤخرة القطار لتجد نفسها تقود قاطرة التحالف الإسلامي.
وبالفعل لم يكن بالإمكان تخيل موقع آخر غير هيمنة حمس على "القطار الأخضر" بحكم ثقلها التاريخي وتجربتها في التحالف الأول ورغبتها في التوغل في دواليب الدولة، إضافة إلى رصيدها التنظيمي وإرث المشاركة في الحكومة المعزز بوعاء انتخابي مكتسب.
وبرز الوزير المترشح عمار غول، رئيس قائمة التكتل الثلاثي في عاصمة البلاد، كمركز ثقل حقيقي لما أظهره من قدرة على الإقناع خلال إدارة حملته العاصمية، خارج الأطر النضالية التقليدية. وما لقيه من تعاطف ودعم شعبي وما حصده من مقاعد أكسبته حجما سياسيا وامتدادا اجتماعيا ولو بشكل غير دائم. لقد تمكن الوزير النائب من انتزاع 13 مقعدا لوحده. وكان الوزير، المنتمي لحركة حمس وأحد المقتدرين على تنشيطها محسوبا أكثر على رجال الرئيس، بل يحسب نفسه مقتنعا غير متردد أنه رجل من "رجال الدولة" وأن "الجزائر أولى من كل انتماء حزبي أو تنظيمي". ولم يلق الرجل الذي حاول امتلاك ناصية التفاوض من موقع قوة للتموقع أفضل داخل الحركة، التي لم تعمل على توظيفه كأحد أوراق الضغط التي راحت تمارسه على السلطة بحرمانه من المشاركة في الحكومة القادمة، لكونه ابن الحركة ومن البديهي أن يأتمر بأوامرها وينتهي بنواهيها.
مشاركة انتهت بقرارات المجلس الشورى والمكتب السياسي الوطني بتعليق مشاركة حمس في أي حكومة وإعلان مقاطعتها هياكل المجلس الشعبي الوطني. إعلان جعل الرابح غول خاسرا. هذه القطيعة المعلنة خلقت تململا جديدا واضحا داخل مؤسسات الحركة التي انقسم رجالها قسمين بين مؤيد ومعارض. وغلب على مؤسسات الحركة جدل واسع وتردد في بلورة موقف متوازن أو منطق يضمن الموازنة بين حقوق عمار غول كوزير سابق محل جدل داخل الحركة وخارجها وواجباته تجاهها، لأنها هي صاحبة الفضل الأول والأسمى عليه مهما كانت فضائله المعنوية عليها.
لقد وصل ابن عين الدفلى إلى مفترق الطرق مضطرا، وأصبح لزاما عليه الاختيار الصعب. فوسط تقاطع المصالح ومرارة التعايش داخل حركة ساهمت في صناعة مجد التيار الإسلامي، هل حان الوقت لأن يغادر عمار إخوته إلى غير رجعة، على غرار عبد المجيد مناصرة، وغيرهما وكلهم ينتمون إلى مدرسة المرحوم نحناح؟؟
وهل حان الوقت لأن يحمل عمار غول راية حزب جديد بعدما ضاق به بيت حمس بما رحب؟؟ كل المؤشرات التنظيمية والسياسية تنبئ بذلك، وكل القرائن المُستقاة من تحركات الرجل واتصالاته توحي بذلك، والحسم في الأمر يظل في يد المعنيين في حمس. فإن هي رجعت بيت الطاعة فلا بأس، وإن عصت فإنه طلاق بائن وحكم يمينه في يد السلطة، التي تريد إخوة غول عمارٍ في فضاء حزب يكون منافسا لحمس التي باتت تلاحقها لعنة الانشقاقات.
والصواب في أعين المتعاطفين مع الوزير غول هو أن الصبر على المكاره أفضل من جلب المصالح. ولن يصبر غول على مكاره المؤتمر القادم لينسحب بشرف قبل هذا الموعد الذي يعِدُ بمفاجآت جمة.