دولي

الانتفاضة في شهرها السادس

القلم الفلسطيني



يوم الثلاثاء الموافق الثامن من مارس سنة 2016، أسمته حكومة نتنياهو بيوم الثلاثاء الأسود، وذلك بسبب وقوع أربع عمليات طعن قُتِلَ فيها جنديان وجرح أربعة عشر جنديا ومستوطنا.
وتزداد أهمية هذا اليوم كونه جاء بعد مقالات تمادت في اعتبار الانتفاضة إلى انحدار وزوال، ليبدّد أوهام كل من لا يريد لهذه الانتفاضة أن تستمر وتحقق أهدافها. لا يكفي بالنسبة إلى كارهي الانتفاضة، ليس من شلة نتنياهو فحسب، وإنما أيضا من بعض الفلسطينيين والعرب، خمسة أشهر وأحد عشر يوما من الشهر السادس ليقتنعوا، أو يسلموا، بأن الانتفاضة اندلعت وستستمر، وسوف تتصاعد وتحقق أهدافها بإذن الله أما بالنسبة إلى نتنياهو فإنه لأمر جيد أن يغرق في وهم وقف الانتفاضة وإزالتها؛ لأن من الضروري أن يفعل ذلك ليشتدّ ساعد الانتفاضة، فلا يصحو على نفسه، إلا وهو مضطر إلى الانسحاب من الضفة والقدس، وعلى تفكيك المستوطنات، وليسمِّه “إعادة انتشار” أو “فك ارتباط”.  ولكن بالنسبة إلى من هم من الفلسطينيين والعرب، ويعملون على وقف الانتفاضة وعلى رأسهم الأجهزة الأمنية الماضية من خلال التنسيق مع الأجهزة الأمنية الصهيونية، فهؤلاء يرتكبون جريمة بحق قضية فلسطين وشعبها، بل وبحق أنفسهم لو يعلمون، فهم ممن أنفسهم يظلمون، وتبا لهم لو لم يتداركوا أمرهم قبل فوات الأوان؛ لأن نزول جماهير الضفة والقدس وقطاع غزة كما السيول الجارفة آتٍ لا محالة. فالاحتلال وصل حدًّا لم يعد من الممكن أن يستمر، واستفحل الاستيطان، وراح يبتلع الأرض والأحياء في الضفة والقدس، وما يزال المستوطنون يحاولون الاعتداء على المسجد الأقصى بالنسبة إلى من هم من الفلسطينيين والعرب، ويعملون على وقف الانتفاضة وعلى رأسهم الأجهزة الأمنية الماضية من خلال التنسيق مع الأجهزة الأمنية الصهيونية، فهؤلاء يرتكبون جريمة بحق قضية فلسطين وشعبها. لقد تغيرت موازين القوى في غير مصلحة الكيان الصهيوني وحماته الدوليين تغيرا كبيرا وملحوظا؛ الأمر الذي يجعل انتصار الانتفاضة ممكنا وقابلا للتحقيق، فجيش العدو الصهيوني مهزوم بأربع حروب 2006 في لبنان و2008/2009 و2012 و2014 في قطاع غزة.

وقد اضطر إلى الانسحاب بلا قيد أو شرط من جنوبي لبنان عام 2000، ومن قطاع غزة مع تفكيك المستوطنات عام 2005 (بفضل الانتفاضة الثانية) كما أن هذا الجيش الذي كان يعد الجيش الخامس أو الرابع في العالم، واشتهر بأنه الجيش الذي لا يُهزَم أصبح الآن قوات شرطة لتكريس احتلال الضفة والقدس ومواجهة أفراد المقاومة. ولم يعد جيشا ميدانيا كما كان حاله قبل الانتفاضة الأولى؛ فقد مرّ عليه حتى اليوم من 1988 أكثر من ربع قرن وهو يستخدم الأطفال دروعا بشرية في أثناء اعتقال المقاومين. ثم هنالك العامل المتعلق بالقيادة السياسية الراهنة في حكومة نتنياهو، إذ راحت تتسم بضيق الأفق والتخبط والعزلة حتى من وجهة النظر الصهيونية، ويكفي دليلا أن تُقارَن بالقيادات التي عرفها الكيان الصهيوني منذ نشأته، فهذه القيادة مؤهلة لارتكاب الأخطاء الفادحة في مواجهة الانتفاضة، ما سيصب الزيت على النار، ويزيد من أزمة حكومة نتنياهو واستمرار الاحتلال والاستيطان.  وثمة أيضا حالة من الرعب التي أخذت تتبدّى في الكيان الصهيوني كما حدث مثلا في تل أبيب بعد عملية الشهيد نشأت ملحم حيث انتهت بقتيلين، ورمى سلاحه المتواضع في الحاوية، وهروبه واختفائه حوالي سبعة أيام، ما فرض ما يشبه حالة منع التجول خلال تلك الأيام في العاصمة التي اشتهرت بأنها لا تنام؛ وذلك خوفا من أن يكون مختبئا في أحد أحيائها. الأهداف الأربعة للانتفاضة أ- دحر الاحتلال، بـ- تفكيك المستوطنات، جـ- فك حصار قطاع غزة،  د- إطلاق كل الأسرى.  ويمكن أن يضاف هنا أن الوضع العام لأمريكا وأوروبا لا يسمح لهما أن يتحملا انتفاضة تدوم بضع سنين كما حدث في مرحلة الانتفاضتين الأولى والثانية، كما أن الرأي العام فيهما أصبح أكثر تعاطفا مع الشعب الفلسطيني، وسيصبح ضاغطا على حكومة نتنياهو أمام أهداف الانتفاضة، وهي: دحر الاحتلال، وتفكيك المستوطنات، وإطلاق الأسرى، وفك الحصار عن مليوني فلسطيني في قطاع غزة. وخلاصةً: إذا حصرت أهداف الانتفاضة في هذه الأهداف الأربعة، التي لا خلاف عليها فلسطينيا لتشكيل أوسع وحدة فلسطينية تحت برنامجها، والمتفق على شرعيتها من قِبَل كل الدول، والقابلة للتحقيق إذا تحوّلت الانتفاضة إلى عصيان مدني شعبي سلمي في كل المدن والقرى في الضفة والقدس وقطاع غزة، وذلك في أقل من سنة.

منير شفيق

من نفس القسم دولي