الوطن

التهدئة والتقليل من الاصطفاف مطالب دون راع

أسبوعين قبل تجمع المعارضة ومبادرة الأفلان مع تزايد التهديدات



لا يبدو أن الأحزاب السياسية سواء المعارضة أو الموالية للحكومة مدركة بعمق حجم التهديدات الأمنية المحيطة بالبلاد، بالنظر لخطاباتها وحتى مبادرتها التي ستزيد في حالات الاصطفاف بدل التوحد ورص الصف الداخلي، وتأجيل الخلافات إلى أن تشهد المنطقة نوعا من الاستقرار الذي يمكن من المنافسة السياسية والحزبية، خاصة أن خلفيات التحرك عند كل طرف هي ضغط الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ومحاولة استيعاب الساحة والمشهد، والبروز بمنطق القوة والحضور الإعلامي والميداني، أمام غياب شبه كلي للمواطن عن الفعل السياسي، إلا ما تعلق بالقضايا الاجتماعية التي هي الأخرى الشغل الشاغل للأغلبية الساحقة من المواطنين.
الأفلان سرع من وتيرة التحضير للقاء المبادرة الوطنية التي ينوي عقد لقاء جماهيري استعراضي لها في أواخر شهر مارس، ليعزز من خطاب أمينه العام أن الحزب ومن يقف وراءه قوة شعبية، وأنه يتحدث باسم المواطنين، عكس المعارضة، على حد تعبيره، التي تعتزم من جهتها تنظيم مؤتمرها الثاني في نفس الفترة، وتحاول أن تضيف من قائمة المدعوين حتى تتمكن من إثبات أنها في نماء وتطور عددي ونوعي، رغم تحفظ بعض الشخصيات وحتى الأحزاب على المسار الذي بدأت تنتهجه، والمتمثل في التحول إلى جهاز إداري تنظيمي أكثر منها فضاء تحاوريا تنسيقي.
الأفلان لا يرغب أن تستحوذ المعارضة على المشهد الإعلامي، إضافة إلى أنه القوة الأكثر تمثيلا في مؤسسات الدولة المختلفة لا يريد أن يترك الساحة، بل يستهدف التأثير على المواطن من جهة، كما يحرص على توجيه رسالة إلى المؤسسات الدولية مفادها أن حزب السلطة يملك تمثيلا شعبيا ودعما حزبيا عدديا، وكذلك مباركة من المجتمع المدني، بالمقابل، المعارضة حريصة على أن تقدم نفسها بديلا لنظام الحكم، وترى أنها أصبحت تمثل المجتمع بحكم تنوع مكوناتها، فمن الإسلامي إلى اليساري، إلى العلماني إلى الوطني، كما تعرف انخراط حزب تمثلي في منطقة القبائل.
صحيح أنه على مستوى مفردات الخطاب عند كل طرف يوجد الوضع الأمني والتهديدات التي تحيط بالبلد، بل حتى الدعم المطلق للجيش الوطني الشعبي في حربه على الإرهاب، ولكن على المستوى العملي، فإن المسعى يسير إلى مزيد من الفرقة، والتراشق الإعلامي خير دليل واستعمال مصطلحات التخويف على غرار "الدواعش السياسية" والرد عليهم بمصطلحات أكثر تفرقة وتبادل الاتهامات والتحديات غير المجدية، كلها مجتمعة تدفع إلى مزيد من التوتر بدل الهدوء، ما يفرض تحركا رسميا عاجلا تتبناه رئاسة الجمهورية حول التهديدات الأمنية، كما تدعو أن يتحرك الجيش وتفعيلا للدستور الجديد وخاصة المادة 122 الفقرة 26 للنزول للبرلمان وشرح التهديدات لقوى المعارضة، وإشراكها في مسؤولية الدفاع عن وحدة وأمن واستقرار البلاد.
كما أنه من الضروري أن تنشط الوسائط غير المباشرة للتهدئة والتخفيف من مسارات الاحتقان غير المقصود، وتنبيه الجميع إلى خطورته في هذه المرحلة، كما أن التغيرات الحاصلة في الموقف الدولي لا تقل أهمية، وهي تغيب في عمومها عن كثير من المتصدرين للمشهد السياسي والإعلامي، وتتحمل الحكومة مسؤولية كبرى فيها، ما يستدعي تحركا إعلاميا يتناسب مع حجم التهديدات للدبلوماسية الجزائرية، عبر تحرير المبادرة لدبلوماسيين متمكنين للحضور والمشاركة في الندوات والاتصال بالقوى السياسية والمجتمعية. ومن شأن مثل هذا التحرك أن يقوي مناعة المجتمع من أي محاولة اختراق أو توظيف من الاستخبارات الدولية التي تتربص بالبلاد، خاصة أن كمية السلاح التي استطاع الجيش أن يحتجزها بعد قضائه على الإرهابيين تبين، حسب خبراء، أنها كانت بحوزة دولة وجهة رسمية وليست من السلاح المتواجد في ليبيا أو عند الجماعات الإرهابية.
الفترة القادمة هي فترة خطاب تصالحي داخلي وليست فترة صراع وتراشق في التهم، مرحلة تجميع وتوافق على قضية الأمن والاستقرار، وهي مرحلة أيضا تبرر التوجه نحو الديمقراطية وتفرض زيادة في حجم الإصلاحات السياسية والقانونية التي من شأنها أن تصنع إجماعا وطنيا حقيقيا


خالد. ش

من نفس القسم الوطن