دولي

الانحباس العقلي "للسلطة" في معالجة ملف المعلمين

القلم الفلسطيني





كنت سأقول لكل من سعادة رئيس الوزراء رامي الحمد الله، وسعادة وزير التربية والتعليم صبري صيدم: اياك ان تفقد احترامك لنفسك او ترفع الكلفة معها أكثر من اللازم، حتى وانت في ذروة الازمة، ولتكن نزاهتك نفسها هي مقياس استقامتك، وكن مدينا لقسوة حكمك على نفسك؛ أكثر من اعتمادك على شعوذات ومسوح خارجة عن سياقك، وامتنع عن السلوك غير اللائق، بدافع فضيلتك ذاتها بدلا من ايقاع نفسك في شبكة متناقضي المصالح واهوائهم، وانظر الى نفسك بهيبة، فإنك لن تحتاج إلى المعلم الذي ابتكره سينيكا. والحديث للحمد الله وصيدم لأنه كان يعول عليهما أن يتعاملا مع الازمة بحكمة ومسؤولية، بعيدا عن كل السلوكيات الصغيرة التي اعتاد ان يمارسها اصحاب الاهواء والمهووسون بـ (غولية) حماس. الإضراب شيء قانوني يكفله القانون، والقانون لا يواجه بالبلطجة والتجييش والتحريض ضد المعلمين، واذا كنتم تعتقدون ان المعلمين غير محقين او انه مبالغ في مطالبهم، وانكم سلطة ذات قانون، لماذا لم تلجأوا الى القضاء ليحل لكم الازمة ويخرجكم من الورطة بدلا من اللجوء الى مسرحيات وممثلين عفا على اساليبهم الزمن، مثل (التهديد غير القانوني للمعلمين، مهاجمة بعض المدارس، ملثمون، إطلاق نار، استخدام المساجد والمنابر، التصوير الوهمي المفبرك، وبتعبير صيدم؛ اختراق بعض الجبهات، تمديد، تعويض، حواجز أمنية تبحث عن مخدرات جديدة؛ اسمها معلم، الاتحاد وعقدة التمثيل والشرعية (الرهاب القديم الجديد)، التخويف من حماس (حماسفوبيا).. والقائمة تطول. كان بإمكان الحمد الله وصيدم ان يديرا حوارا جديا ومسؤولا مع المعلمين؛ ليخرج منه الجميع رابحون ن وبلغة المصالح الربح للجميع ولترصد ادارة الازمة لصالح صيدم والحمد الله بدلا من ان تسجل ضدهما. هل كانا غافلين عن هذا؟ أم أن الصراعات الدائرة في الهرم العلوي للسلطة اربكتهما وجعلتهم يقعون في الاخطاء الكبيرة والتناقضات التي حصلت وما زالت تتكرر؟ كيف فاتكم يا سادة أن أربعين ألف معلم ومعلمة - يصلون إلى كل بيت في الوطن - هم أكبر وأقوى جيش يمكن أن يسلح به عاقل. حتى لو كسرت اليوم إضرابهم فإنما تكسر المعلم في داخلك وأنت الخاسر، ولو نجحت في حلحلة الأمر الآن؛ فقد فاتك الكثير.
إن كل ما فعلتموه حتى اللحظة يشير إلى أنكم في حالة انحباس عقلي شديد وتخوضون مع المعلمين حالة انتحارية شبيهة بالتحدي الذي وقع بين بسمارك والطبيب السياسي رودولف فيرخار المنتمي في حينه إلى حزب الأحرار، وكان هذا الأخير شديد الانتقاد لسياسات بسمارك، الأمر الذي ضاق به بسمارك ذرعاً، فطلب إلى فيرخار أن تكون بينهم مبارزة؛ وكان شرط فيرخار أن يختار هو الأدوات، وعندها اختار الطبيب قطعتين من السجق متشابهتين؛ إحداهما مسمومة بجراثيم قاتلة والأخرى سليمة، وقال فيرخار: أدعو سعادة المستشار أن يختار أي القطعتين سيأكل؛ وأنا آكل الأخرى، غير أن بسمارك اختار وفي اللحظة الاخيرة قرر أن ينسحب من هذا التحدي الانتحاري.
المعلمون هنا رابحون حتى لو لم يأخذوا شيئاً، أما الخاسرون حتى لو لم يدفعوا شيئاَ فهم كثر، أولهم الحمد الله وصيدم، وليس آخرهم فتح المتخبطة بخيوط تناقضاتها. تقول إحدى الحكايات، أن أحد ملوك أرمينيا؛ وكان غريب الطباع يبحث عن الاثارة، قرر أن يعمل مسابقة أفظع كذبة، وجائزة الفائز تفاحة من ذهب، بدأ الراغبون بالتقاطر كل يقدم كذبته، حتى أصاب الملك الملل وبدأ يفكر بإلغاء المسابقة، وإذا به تقع عيناه على رجل بسيط أشعث أغبر لا يلقى له بال، يحمل تحت إبطه إبريقاً من الفخار، ناداه الملك وسأله: ما قصتك وبم أساعدك؟ قال الرجل: تذكر سيدي الملك، إن لي عندك إبريق من الذهب، ذهل الملك وصاح إن هذه لكذبة فظيعة، فمن أين لك عندي هذا؟
قال الرجل إذا يا سيدي ما دامت كذبة إلى هذا الحد أعطني تفاحة الذهب. حاول الملك التملص واتهامه بالخداع وأن هذه ليست كذبة، فقال الرجل: إذاً أعطني إبريق الذهب، وهكذا في النهاية كان على الملك أن يختار بين التفاحة أو الإبريق. وبعيداً عن الاسقاطات الأدبية للحكاية، يبقى السؤال: أيهما ستختار حكومة الحمد الله؟
أ. عبد الباسط الحاج

من نفس القسم دولي