دولي
انتفاضة القدس مستمرة
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 02 مارس 2016
انطلقت شرارة هذه الانتفاضة الشعبية بعملية فدائية بطولية في نابلس ردًا على زيادة اعتداءات الاحتلال على المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى.
أجل، لقد كانت مشاهد التحرش والاعتداء الهمجي اللذين يمارسهما جنود الاحتلال عند بوابات الحرم القدسي كافية؛ كي يندفع الشباب الفلسطيني المؤمن بعدالة قضيته في موجة طعن بالسكاكين، ويتقدم رماة الحجارة والزجاجات الحارقة إلى نقاط التماس بالمئات عند كل نقطة يشاغلون جنود الاحتلال ويتعرضون لقطعان مستوطنيه في كل أنحاء الضفة الغربية، وكان الرعب والفزع الذي لم يفك لغزه بعد بقناص الخليل الذي أثار رائحة الموت في أنوف المستوطنين الغاصبين في معقل هذه الثورة #خليل_الرحمن.
فإنّه وبعد أن تجاوزت #انتفاضة_القدس حاجز #150_ يوماً، تأكّد بما لا يدع مجالاً للشك خطأ من قدر أنّها لم تكن غير هبّةٍ عاطفيّة عابرة، أو أنّها صرخة في وادٍ ونفخة في رماد..
(2)
نعم، لا زالت هذه الانتفاضة تتجاوز بقوة واقتدار كل المعيقات والعراقيل وتتحدى ما يُحاط بها من شبق التنسيق الأمني الذي لم ينفك من يتعاطونه من هذا الانحدار الوطني في وادٍ سحيق، وقد تباهى مدير المخابرات في المقاطعة بما قام به جهازه من ممارسات خيانية حالت دون الثأر لكرامتنا الوطنية، ويتساوق مع تلك الممارسات الخيانية تماماً رئيس المقاطعة على أنّ ما كشفه مدير المخابرات "ماجد فرج" قد تمّ كله بتعليماته.
بعد أن تجاوزت #انتفاضة_القدس حاجز #150_ يوماً، تأكّد بما لا يدع مجالاً للشك خطأ من قدر أنّها لم تكن غير هبّةٍ عاطفيّة عابرة، أو أنّها صرخة في وادٍ ونفخة في رماد
وهو في ذلك يصطدم تماماً بالمؤسسة الرسمية الفلسطينية، بتجاوزه لمقرّرات المجلس المركزي لـ "م، ت، ف" في آخر جلسة، إذ تقرر فيه وقف كلّ أشكال التنسيق الأمني؛ بعد أن سقط عنه أي مبرر سياسي لاستمراره.
تقتحم الانتفاضة القبضة الأمنية التي لا زالت تشكّل تحديا على قوة اندفاعها بكامل طاقتها نحو إنجاز استحقاقاتها الوطنيّة بتحرير كامل الضفة الغربية (المحافظات الشمالية)، كما أنجزت انتفاضة الأقصى الانسحاب الكامل من قطاع غزة (المحافظات الجنوبية) وتفكيك المستوطنات فيها.
ولكنّها مع كل تلك المعيقات تمضي باحتضان شعبي واعد، وتسير في ثبات غير أبهةٍ في تهديدٍ ولا وعيدٍ، وقد أغلقت بلا رجعة مسعى الاحتلال في ملف التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، بل أصبحت المدينة المقدسة كلها طاردة للأجيال الشابة من قطعان مستوطني الاحتلال .
(3)
وحتى تنجز #انتفاضة_القدس أهدافاً وطنيّة وهي تدافع بخيرة شبابنا وفتياتنا مضحين بأنفسهم وما يملكون؛ للخلاص من ربقة الاحتلال العنصري، فإنّه لمن الواجب وطنياً منحها حقّها من الاهتمام سواء كان على المستوى السياسي أو الإعلامي أو المالي..، وبالإضافة لعدم إشغال الساحة الفلسطينية بأية أحداث تطغى عليها "فلا يعلو صوت فوق صوت الانتفاضة".
وقد تحدث مراقبون كثر مع بداية انطلاقة هذه الانتفاضة المباركة عن أنّها ستختبر باقتحام أخطر عقبتين، وهما: عقبة التنسيق الأمني، وهو الذي أحبط مسير الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) في الضفة وجعلها خبرًا لكان، وكذلك اقتحامها لعقبة الالتفاف السياسي، وهو ما أجهض الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة) من خلال اتفاقية "أوسلو".
غير أنّ الذي نحْذره ولم نُحذّر منه وهو ما يُشكّل عامل تهديد حقيقيّا لهذه الانتفاضة المنطلقة، ألا وهو "التجاذبات السياسية" سواءً بين التيارات المتصارعة داخل حركة فتح وغيرها من القوى الوطنيّة، وحالة الاستقطاب الفصائلي الحادة بين أكبر فصيلين وأهم الفصائل الوطنية حركتي "حماس وفتح".
(4)
وقد نتج عن هذا الاستقطاب الفصائلي الذي هو انعكاس لخلاف جذْري بين برنامجين أحدهما لا يؤمن إلّا بالتسوية السياسية مع الاحتلال ولا يلوي إلى غيرها سبيلاً، والآخر.. يقوم على المقاومة بكل أشكالها، وفي مقدمتها الكفاح المسلح بكل أدواته وأساليبه؛ لانتزاع الحريّة وتقرير المصير وكنس الاحتلال عن كل الأرض الفلسطينيّة، وهذا ما ينسجم حقيقة مع الواقع الذي يفرضه الاحتلال، حالة التضارب والانقسام السياسي والفصل الإداري الذي لم تستطع أي من الاتفاقيات والتفاهمات الوطنيّة تجاوزه وإنهاءه.
يجدر العمل على إنجاز شراكة وطنية حقيقية ومصالحة مجتمعيّة وتشكيل وحدة موقف وطني على أن يستند لبرنامج تحرري، ليعتبر ضمانة استمرار #انتفاضة_القدس في مسيرها نحو تحقيق أهدافها الوطنية
لذلك يجدر العمل على إنجاز شراكة وطنية حقيقية ومصالحة مجتمعيّة وتشكيل وحدة موقف وطني على أن يستند لبرنامج تحرري، ليعتبر ضمانة استمرار #انتفاضة_القدس في مسيرها نحو تحقيق أهدافها الوطنية، وتحصينها ضد الالتفاف السياسي، ويقيها من الخنق وما تتعرض له من الطعن المستمر بخنجر التنسيق الأمني الذي لا زال متربصاً بها الدوائر.
إنّ إنجاز توافق وطني من خلال شراكة حقيقية سيجعل من #انتفاضة_القدس قيمة وطنية في برنامج التحرر، وهو ما يكفل بالدفع للكل الوطني نحو المشاركة الفاعلة في مفاعيلها المناهضة للاحتلال، ولا سيما عندما تدخل حركة فتح بما لها من ثقل جماهيري فاعل.
(5)
وليس بعيداً عن هذا الشّأن بعدما وصلت مستويات التنسيق الأمني لحالة من الانحطاط والتواطؤ لتتم عملية اغتيال همجي بحق الأسير المحرر #عمر_النايف تُنفّذه عصابة غاشمة للموساد داخل مقر السفارة الفلسطينية في العاصمة البلغارية وكانت عملية اغتيال قد تمت لصديقه العميد #أيمن_جرادات في جنين.
ففي اليوم الذي اغتيل فيه النايف يأتي الإعلان عن تتويج الأسير #محمد_القيق بطلاً منتصراً في مواجهته غير المتكافئة مع سجانيه في معركة الأمعاء الخاوية والتي استمرت لما يزيد على ثلاثة أشهرٍ.
فهاتان الصورتان تجسيدان متضادان: الصورة الأولى لحالة التيه السياسي وما أنتجه من التنسيق الأمني الذي خلّف جرائم وطنية في كل الصعد والساحات، وفي الحالة الثانية تتجلى صورة المقاومة وهي تنتصر رغم التضحيات وأنّها تراكم الإنجازات وتحقيق النقاط على أجهزة الاحتلال ودولته المارقة.
عبد الله العقاد