الوطن

هيئة التشاور تتحول إلى جهاز إداري

بعد المواقف المنفردة لبعض مكوناتها



واصلت هيئة التشاور والحوار لقاءاتها للتحضير للمؤتمر الثاني المزمع تنظيمه في آخر شهر مارس. وبدل الاهتمام بتوسيع قاعدة المؤيدين والداعمين لمسعى المعارضة، تحول الجهد إلى تضييق نقاط الالتقاء بين أعضاء الهيئة وتحويلها إلى جهاز تنظيمي أكثر منه فضاء سياسيا. وقد تبين في النقاشات الأخيرة، وخاصة ما اصطلح على تسميته "ميثاق الالتزامات" الذي جاء لينظم واجبات الأعضاء وجاء أكثر تعبيرا عن شعور بعض الأعضاء بحتمية الخلاف من جهة واقتراب انتهاء آجال المبادرة من جهة أخرى.
وقد قالت بعض المصادر أن النقاشات الأخيرة استهدفت تمكنين المعارضة من إنجاز مشروعها في الانتقال الديمقراطي، وأن هذا لا يتم إلا من خلال تمتين العلاقة بين مكونات الهيئة، لما لمسه من تخوفات حقيقية تمس انسجامها وإمكانية انسحاب كثير من الأعضاء منها. ويحمل "ميثاق الالتزامات" معنى الخوف والإدانة أمام الأعضاء أكثر، ما يحث على الوحدة والانسجام، خاصة أن التوحد يأتي بالحرية والشعور بالاستيعاب لا من خلال مواد جافة تكثر من النواهي والمحاذير كما جاء في نص الميثاق.
والواضح أيضا أن نقاشات الأعضاء تتجه أيضا إلى استبدال مؤسسات الأحزاب بعضوية الهيئة، وهو ما يعني تغلب النزعات الشخصية على الرغبة الجماعية في إيجاد التغيير، وهي نقطة تحول ستعصف بالمشروع، خاصة أن البلاد مقبلة على استحقاقات انتخابية لا تدار بتكتل سياسي متصادم في البرامج والطموحات، وكل القراءات لا تؤهله لأن يتحول إلى تحالف انتخابي. وقد جاءت بعض المواد قبل عرضها على هيئة التشاور كلها بصيغة إلغاء أي مبادرة أو موقف منفرد لأي عضو، وأن مخالفة قرارات الهيئة تعد خرقا ونقضا للميثاق، وهو ما يحول الهيئة عن طبيعة نشأتها التي يفترض أن تكون لها مواقف وليس قرارات، وأن روح الإلزام لا يمكن إلا لمؤسسات المرجعية للحزب الذي يفترض أن يحترم قواعده، والهيئة ليست بديلا للأحزاب بقدر ما هي مكملة لها. وتوالت المواد الزاجرة للمخالفين لما سمي بقرارات الهيئة في أكثر من مادة، ما سيساهم بشكل كبير في تحولها إلى تنظيم مواز يصعب أن يلقى دعم القواعد النضالية، ويوحي بتغلب الشخصيات على المؤسسات السياسية.
بعض القيادات الحزبية يؤاخذ عليها أنها لا تعود إلى مؤسساتها الحزبية لمناقشة مثل هذه التوجهات، كما أن بعضها يختزل الحزب في شخصه، وغلب النزعة الشخصية والطموحات حتى على البرنامج الحزبي، وهو ما يساهم في عزل المعارضة عكس ما تريد هي.
بعض الأصوات العاقلة تحاول إقناع مكونات الهيئة باعتماد سياسة استيعاب لباقي القوى الوطنية بما فيها الموجودة داخل النظام ولها رغبة في التغيير الهادئ، أمام استمرار بل تمدد التهديدات الأمنية على البلاد وانتشار الفساد وتغول أصحاب المال على القرار الوطني، إلا أن سلوك هيئة الحوار يبتعد يوما بعد يوم عن مسار التحول الحقيقي، وستنتهي الهيئة ببعض التنسيقية رغم جدية كثير من الأطراف والشخصيات الموجودة فيها حاليا.
التخوف من قضية فشل المعارضة وإعطاء الفرصة لبعض أطراف السلطة أحزاب ومنابر إعلامية ربما هي التي ترهن البعض في البقاء والاستمرار رغم قناعتهم بعدم جدوى المسار المتخذ حاليا، والذي يستند في بعض الأحيان إلى تصفية حسابات شخصية من البعض، وهو ما يتنافى مع البعد الوطني والاستراتيجي للتحول المنشود من النخب والمطلوب شعبيا والمقبول إقليميا ودوليا


إكرام. س

من نفس القسم الوطن