دولي
ماذا تعني أولوية القضية الفلسطينية مع أولوياتنا الأخرى؟
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 19 فيفري 2016
لا نستطيع أن نقدّم كل قضايانا المركزية للجمهور الواحد بتركيزٍ، ونُزاحمها إلى بعضها أمام بوابات ضيقة مكتظّة بالواقفين والمنتظرين، بل ينبغي علينا في مجتمعات النخبة السياسية أو الفكرية أو الإعلامية أو الاقتصادية ... أن نعمل على اختيار قائمة أولويات ونركز عليها بغرض التحكّم بمضامينها ومحتوياتها ، ونوجّه الناسَ صوبَ الاهتمام بها وإدراكها والتفكير بها بصورة متصلة ودائمة.
مهمتنا أن نعطي الناس مجالاً للتفكير الأطول والاهتمام الأكثر بقضية ما، ولا نستطيع أن نفعل ذلك إذا كانت هناك قضية أكبر تشغل الناس أو تشغل فئةً منهم، إذ إنه لا يمكن الانتصار هنا في معركة الواقع الضاغط وقضاياه الملحّة التي تفرض نفسها على الناس الواقعين تحت تأثيرها المباشر.
وعلماء الأصول وفقه المقاصد يتحدثون أنه لا يمكن لنا أن نتحدث عن تناول الفضل إلا بعد تناول العدل، والعدل المقصود هو فعل ما يجب، والفضل المقصود هو الزيادة على ما يجب؛ والقاعدة تقول إن من شغله الفرض عن الفضل فهو معذور ، ومن شغله الفضل عن الفرض فهو مغرور ، فأولوية الأشياء تقتضي ترتيب مراتب الأعمال بحسب أوزانها في الحياة اليومية بتقديم الأهم على المهم ، أو الأولى والأجدر بالتقديم.
وعلى ذلك فإن أولوية القضية الفلسطينية في الأمة لا تعني أن تتصدر هذه القضية جميع القضايا المحلية في بلدٍ ما ، فلا يصحّ مثلاً أن نطلب من إخواننا السوريين المنكوبين بالقصف والتهجير والجوع والسجن والقهر والمرض بمئات الآلاف أو الملايين أن يجعلوا فلسطين قضيتهم المركزية، بل إن أولويتهم هي تحرير بلدهم من الفساد والطغيان وإعادة الأمن والاستقرار وتوحيد المجتمع وجمعه على رؤى مشتركة تؤسس لمجتمع جديد؛ وعلى ذلك تقاس القضايا الأخرى الضاغطة والكبيرة.
ومع ذلك فإن القضية الفلسطينية وعنوانها القدس لا ينبغي أن تغيب عن سلّم الأولويات بإدخالها في قائمة الاهتمامات، والاهتمام هو درجة أقل في تراتبية العمل، فالأولوية هنا هو مثل أن تكون القضية الأولى على طاولة مكتبك لاتخاذ قرار ملحّ وسريع أو استراتيجي، أما الاهتمام فهو أن تجعل القضية الأولى في دائرة الاهتمام في الدرج الأعلى من مكتبك هذا.
وفي القضايا العامة فإننا لا نطالب الدول أن يجعلوا أهميتهم المطلقة في القضية الفلسطينية على حساب قضاياهم الأساسية ولاسيما الحياتية منها، فإن استقرار هذه البلدان وكفاية شأنها وقوة مجتمعها رصيد استراتجي للقضية الفلسطينية، فالواجب هنا أن تتصدر القضية الفلسطينية سلّم الأولويات في السياسة الخارجية فحسب لا في السياسات الداخلية، إلا عندما يجري إدخال السياسة الخارجية في التعبئة الداخلية فإن القضية الفلسطينية ينبغي هنا أن تتصدر في السياسات الداخلية ذات البُعد الخارجيّ ، وليس تصديرها على القضايا المحلية واستخدامها بعد ذلك في ممارسات سلطوية غير رشيدة تجاه المعارضة الداخلية باسم القضية الفلسطينية كما حصل في بلدان كثيرة من قبل.
وبمعنى أوضح فإن القضية الفلسطينية بعناوينها الكبيرة هي ملف دائم في السياسات الخارجية للأمّة بدولها وهيئاتها وجماعاتها وأحزابها ونقاباتها ونُخَبِها، ولا ينبغي لها أن تغيب عن مقدمات الفعل السياسي لصالح ملف آخر، إلا إن كان الملف الآخر ذا اتصال بالشأن الداخليّ المباشر فعند ذلك تتحرك القضية الفلسطينية إلى المرتبة الثانية على قائمة الأولويات وليس في دُرج الاهتمامات؛ وفي كلا الأمرين فإن الأولوية أو الاهتمام لا تعنيان ما يندرج تحت مفهوم الأعمال الاحتفالية الاستعراضية التي تنشط في مناسبات رسمية، أو التي تستدعَى في لقاءات المجاملات الدبلوماسية والعلاقات العامة الباردة.
إننا نتحدث الآن عن نمط فاعل ومتحرّك يستند إلى رؤية مهدّفة تعدّ فلسطين قضية مركزية بالأساس وترسم لها أهدافاً تشغيلية ووسائل تنفيذية، وأما كيفية التفاعل معها ودرجة هذا التفاعل فقد شرحنا أعلاه بعض ما يمكن مراعاته عند التخطيط له.
أسامة الأشقر