الوطن

ارتفاع الأسعار يضاعف معاناة الجزائريين مع "الشهرية القليلة"

التقشف يطغي على يوميات الجزائريين ويغير عاداتهم

 

  • أسر تلجأ لـ "العولة" خوفا من تكرار سيناريو الثمانينات


دخل مصطلح التقشف قاموس الجزائريين منذ بداية 2016 بعدما مست هذه السياسة جيوبهم بطريقة مباشرة من خلال زيادات عرفوها في كل أسعار المواد الاستهلاكية وعدد من الخدمات فقد  ووجد أغلب الجزائريون أنفسهم بعد حوالي شهر ونصف من بداية السنة الجارية ودخول قانون المالية حيز التطبيق مرغمين على شد "الحزام" فهناك منهم من تخلي عن بعض العادات ومنهم من قلص في ميزانية الأكل والشرب وهناك من ركن سياراته واعتمد على وسائل النقل أو المشي للذهاب لعمله بسبب الزيادة في أسعار الوقود  كما أن هناك حتي  من تخلي عن بعض المشاريع على غرار شباب تخلوا عن فكرة الزواج وكل هذا بسبب التقشف.
"رانا متقشفين" هي عبارة أصبحت متداولة كثيرا في الشارع الجزائري فقد أثر الحديث عن التقشف والارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية، بشكل كبير على نمط حياة العديد من العائلات الجزائرية، التي قررت إعادة ضبط نفقاتها وتقليص مصاريفها اليومية، استعدادا لما هو قادم، وخوفا من تكرار سيناريو الثمانينيات، خصوصا بعد الزيادات الأخيرة وما أحدثته من اختلال في الميزانية الشهرية للأسر.
•    مواطنون يركنون سياراتهم ويعتمدون على النقل العمومي تقليصا لمصاريف الوقود
وقد شكلت الزيادات في أسعار البنزين إرباكا للكثير من الجزائريين محدودي الدخل، ممن وجدوا أنفسهم أمام إلزامية "شد الحزام"، كما فرضت عليهم اتخاذ ترتيبات جديدة تتعلق بتنظيم نفقاتهم اليومية، فكثيرون ممن اعتادوا التنقل بكل حرية بواسطة مركباتهم الخاصة، غيروا عاداتهم و أصبح احتساب المسافة التي سيستهلكها العداد باتجاه الوجهة المطلوبة، خطوة أولى تسبق فتح باب السيارة، بالمقابل عاد العديد من المواطنين الذين طلقوا النقل العمومي في وقت سابق الى استعمال حافلاته مجددا، لتخفيف نفقات التنقل بواسطة السيارة، وفي هذا الصدد يقول محمد وهو عامل بأحد البنوك أنه تعود استعمال سياراته في كل تناقلته حتى عند اقتناء لوازم بيته من عند البقال إلا أن  الزيادات الأخيرة أثرت سلبا على ميزانيته الشهرية، بعدما اضطر إلى مضاعفة المبلغ الأسبوعي المخصص لتعبئة خزان سيارته، فبعدما كان ينفق 1500 دج كل 10 إلى 12 يوما، أصبحت 700 دج لا تكفيه لأزيد من 3 أيام، فيضطر بعدها إلى إعادة تعبئة خزان السيارة بالبنزين مجددا، علما بأن زوجته تنفق نفس المبلغ على سيارتها كذلك، و هو ما أثر على نفقاتهما الأسبوعية، و دفعهما إلى إعادة ضبط حساباتهما، و تقليل تنقلاتهما بالسيارة، خصوصا ما تعلق بالمسافات البعيدة، فضلا عن استعمال مركبة واحدة، بدل اثنتين. ويشاطر محمد الرأي العديد من الجزائريين الذين أكدوا بأن الحديث عن التقشف والزيادات خلق لديهم حالة من التوجس والخوف ودفعهم إلى ترشيد نفقاتهم وتقليص بعض المصاريف التي كانت تصنف في خانة الكماليات، كالرحلات الأسبوعية نحو المدن الساحلية أو الداخلية للاستجمام.
•    ارتفاع الأسعار يضاعف معاناة الجزائريين مع "الشهرية القليلة"
من جانب اخر تعيش مختلف الأسر الجزائرية حالة من عدم التوزان بعدما عرفت أغلب المواد الاستهلاكية والخدمات ارتفاع كبيرا في الأسعار وبقاء "الشهرية" على حالها ما يعني عدم قدرة هذه الأخيرة على تغطية طلبات كل أفراد الاسرة فقد طلقت العديد من العائلات بعض العادات على غرار المبالغة في الإنفاق على موائد الإفطار والعشاء، كما اتفق الجميع على أن ما يتم تداوله في الشارع حول تراجع أسعار النفط وتضرر الاقتصاد الوطني والزيادات المرتقبة في تسعيرتي الكهرباء والغاز، جعلهم يعيشون حالة ترقب لما ستحمله لهم الفواتير القادمة من مفاجآت قد لا تكون سارة
تضاف إلى المعاناة التي يعشها المواطنين بسبب غلاء المعيشة والارتفاع الجنوني لأسعار النقل، المواد الغذائية في ظل انخفاض معدل الدخل الفردي للعمال  فمن الصعب على رب عائلة لديه أبناء يدرسون أن يعيل أفراد أسرته في ظل الارتفاع الكبير للأسعار وجنون التجار الذين أصبحوا يستغلون المواطنين ويبالغون في رفع الأسعار وهو ما أكده سمير وهو عون أمن حيث قال هذا الأخير "  حليب الأطفال والحفاظات لوحدهم يجب أن تخصص لهم أجرة شهرية كاملة اضافة إلى فواتير الكهرباء والماء والهاتف،لا أتذكر أنني أكملت شهرا من الشهور دون أن اقترض الأموال من أصدقائي لكن إلى متى سأبقى على هذا الحال" من جهتها تذمرت سعاد وهي أستاذ في الابتدائي من غلاء المعيشة والأزمة الاقتصادية بعد انخفاض أسعار البترول وتساءلت عن سبب التضحية في كل مرة بالمواطن وإجباره على دفع أخطاء الدولة وسوء تسييرها واعتبرت أن رفع الأسعار يعتبر جريمة في حق المواطن البسيط وأكدت أنه من غير المنطقي أن يدفع المواطن فاتورة التقشف والأزمة الاقتصادية وأضافت أنه من المفروض أن لا يضر انخفاض البترول بالمواطنين مثلما لم ينتفعوا بارتفاع أسعاره في السابق.
•    أسر تلجأ لـ "العولة" خوفا من تكرار سيناريو الثمانينات
هذا وقد أعادت حالة الترقب التي يعيشها الشارع الجزائري إلى الأذهان، سيناريو الثمانينيات من القرن الماضي، وما عاشه الجزائريون من ويلات، حيث يقول السعيد وهو شيخ متقاعد "أيام الازمة صعبة " متمنيا أن لا تعود " سنوات الفقر والشر" والفترات الصعبة التي عاشها المجتمع الجزائري في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات حيث أكد أن الجيل السابق عاش فترات صعبة بسبب ندرة المواد الاستهلاكية كالزيت، السكر، القهوة، الحليب والطماطم " ولعل الخوف من تكرار سيناريو هذه السنوات دفع العديد من الجزائريين للعودة "للعولة" والاحتياط مسبقا وشراء مخزون غذائي يجنبهم مزيدا من الزيادات المرحلة المقبلة، فقد لجأت عائلات بمختلف المناطق إلى جمع وتخزين المواد الغذائية لكن ذلك فتح أبواب المضاربة من طرف التجار الذين استغلوا الظروف الراهنة لرفع أسعار بعض المواد الأساسية خاصة السكر وعلب الحليب الجاف إلى جانب البقوليات فالعائلة التي كانت تشتري كيلو واحد من السكر في يومين أو ثلاثة رفعت العدد إلى عشرة كيلوغرامات كاملة وتختلف الكميات من عائلة إلى أخرى فيما تشهد علب الحليب الجاف والبقوليات إقبالا كبيرا خلال الآونة الأخيرة فالذي كان يشتري كيلو واحد من الفاصولياء الجافة أقدم على شراء خمسة كيلوغرامات كاملة نفس الشيء بالنسبة للعدس والحمص وكذا الفول الذي كان مهملا لكنه تحول مؤخرا إلى مادة يمكن ادخارها لوقت الحاجة. وبالنسبة للأسعار فإنها شهدت ارتفاعا محسوسا تراوح ما بين 2 إلى خمسة بالمئة من الأسعار السابقة حيث وصل سعر الكيلوغرام الواحد من السكر إلى 110 دج بدل 90 دج فيما التهبت أسعار البقوليات وكذا علب الحليب الجاف التي وصلت إلى 450 دج للعلبة الواحدة فيما كانت تتراوح ما بين 370 و420دج.
•    شباب يتخلون عن مساكن عدل ويعزفون عن الزواج بسبب التقشف
ليس تهويلا إن قلنا أن ميزانية الجزائريين سوف تتراجع طيلة  هذه السنة بالنسبة للعائلات الميسورة الحال، فما بالك بالنسبة للعائلات الفقيرة وأصحاب الدخل المحدود الذين سيتضررون ويصبحون أكثر فقرا فيما اضطرت العائلات المتوسطة الدخل إلى ممارسة سياسة "شد الحزام" منذ بداية السنة  من أجل التحكم في الميزانية، وهو بدا جليا في سلوكياتهم وطريقة عيشهم من خلال التخلي عن الكثير من الكماليات من أجل مسايرة الواقع الجديد المفروض، وكان الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة لآلاف المواطنين الذين هم على موعد مع دفع مستحقات سكنات عدل خلال الأشهر المقبلة والأسر التي تعتمد على الكراء وهي الوضعية التي يمر بها أمين وهو شاب مسجل في برنامج عدل 2 كان يفكر في إتمام نصف دينه لكن هذا الحلم ربما سيتأجل لعدة سنوات أخرى، مضيفا أنه كان في انتظار الحصول على سكن في إطار صيغة "عدل" لكنه لن يتمكن من دفع الأقساط المتبقية خاصة وأن الحكومة لجأت في إطار إجراءات التقشف إلى إضافة قسط رابع وهو ما جعل دفعها يكاد يكون مستحيلا ومن غير الممكن الاستدانة أو الحصول على قرض من البنوك التي تعاني هي الأخرى من نفس الأزمة، وعليه إذا بقي الوضع على ما هو عليه فسيهاجر إلى الخارج مع أول فرصة تسنح له هروبا من "الميزيرية" التي ستتضاعف مع الأزمة الاقتصادية علما أن المواطن البسيط يعيش فيها من قبل، لكنها اليوم ستكون أكبر


س. زموش

من نفس القسم الوطن