دولي

"قاسم" يريد المصالحة، ولكن؟

القلم الفلسطيني



يبدو أن هذه الجولة المباركة والغزوة الجديدة التي تحفها الكثير من التساؤلات والمخاطر، ستبدأ والدكتور عبد الستار قاسم في إحدى زنازين الرأي التي أعدتها السلطة الفلسطينية منذ تشكيلها لمن يقول "لا" في وجهها، فهي كائن لديه حساسية مفرطة منذ ولادته المتعسرة من "لا" ومشتقاتها، ولا تحتمل أن يذكرها أحد بالمرجعية التي انبثقت منها، وهذا ما فعله البروفيسور عبد الستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية، وأكبر الناقدين للسلطة الفلسطينية فكراً وأداءً منذ تشكيلها حتى هذا اليوم الذي يقبع فيه في أحد سجونها.
إذن الدكتور قاسم لن يستطيع هذه المرة أن يفتتح جلسات المصالحة التي تبدأ يوم السابع من شباط من عامنا هذا في دولة قطر. كانت للدكتور قاسم طريقته الخاصة في الإجابة على ما يثيره الإعلاميون والصحفيون من أسئلة عند كل جولة جديدة من جولات الحوار بين حركتي فتح وحماس. المصالحة إلى أين؟ هل تنجح هذه الجولة بين الطرفين؟ لماذا تنجح، لماذا لا تنجح؟ ما موقف العدو الصهيوني منها؟ ما موقف الأمريكان، ما توقعاتكم لهذه الجولة؟ تلك الأسئلة التي كان يجيب عنها قاسم بلهجته الفلسطينية القريبة من نبض الشارع؛ البعيدة عن اللغة الأكاديمية المراوغة، التي يخفي كثير من أساتذة العلوم السياسية والمحللون خلفها مواقفهم الحقيقية خوفاً على لقمة العيش، أو منعاً لأذى قد يلحق بهم على يد طغمة فاسدة تلاحق أصحاب الرأي، من المعارضين لأوسلو وما أفرزته من فساد متجذر في كثير من مناحي الحياة في فلسطين.
 كان يرد على أسئلتنا بأسئلته المحورية، قائلاً: "سيتصالحون على ماذا؟ على أي برنامج؟ وهل يمكن لفتح أن تترك مربع التسوية والمفاوضات وتعود إلى برنامج المقاومة، وتتوحد الحركتان على برنامج وطني أصيل يحفظ تضحيات شعبنا العظيم؟ هل تعتقد أن الاحتلال والأمريكان سيسمحون بذلك؟ وهل السلطة لديها الإرادة الكافية لمواجهة تلك العقبات، ودفع الأثمان مقابل موقف وطني شريف"؟

وكثيراً ما كنت أحيل هذه الأسئلة على الدكتور قاسم، ليجيب باطمئنان وثقة: "لا يا أستاذي، لن تحدث مصالحة طالما هناك قيادة ضعيفة تأتمر بأوامر الخارج، وتعيش على المساعدات الغربية".
ذلك هو عبد الستار قاسم الذي كان ولا يزال يتمنى أن يتوحد شعبنا على برنامج وطني يواجه فيه العدو الصهيوني على قلب رجل واحد، أو على الأقل على برنامج لا يسمح "للفلسطيني الجديد"
 الذي أراده الجنرالات الأمريكان أن يلاحق ويعتقل -ويقتل إن لزم الأمر- أخاه الفلسطيني المجاهد، تحت دعوى الالتزام بما نصت عليه الاتفاقات مع "إسرائيل"، بما نسبته 100% على حد قول الرئيس أبو مازن!. وإنني أتساءل اليوم، هل يمكن أن يوفر غياب الدكتور عبد الستار قاسم: مرآتنا التي ننظر فيها في أوقات الخداع والسراب، صوتنا النقي حين نصاب ببحة الصوت، نبض الوطن حين يضعف نبض كثير من مدعي الوطنية، لساننا الذي يعبر عن ضمير أمهات شهداء الأنفاق، وعذابات المعتقلين في سجون العدو، وآمال المجاهدين في فلسطين، هل يمكن أن يوفر غيابه نجاحاً ولو جزئياً لجولة المصالحة التي تبدأ غدا "بكلاكيت" للمرة الخمسين بعد المائة؟!.
يونس أبو جراد

من نفس القسم دولي