دولي

إسرائيل تفتح النار على الأمين العام للأمم المتحدة

القلم الفلسطيني




هذه هي السنة الأخيرة للأمين العام الحالي للأمم المتحدة، بان كي مون، ومن الطبيعي أن يشعر أي مسؤول منتخب أن قيود الوظيفة لا تعود عائقاً في قول الحقيقة، أو على الأقل جزءاً منها. وهذا ما فعله الأمين العام على استحياء في الأيام الأخيرة من مسألة الاحتلال الإسرائيلي والأنشطة السكانية، فوقع في المحظور وتخطى حدوده المسموح بها، لأن "إسرائيل" تعودت أن تكون فوق النقد وفوق القانون الدولي وفوق المعايير الإنسانية، وما ينطبق على كل دولة في العالم لا ينطبق عليها، وحذار إن اقتربت من خطوطها الحمراء، فستطلق عليك النيران من كل صوب بحيث لا يبقى أمامك خيار إلا الانصياع أو الخوف أو التردد في المرات المقبلة.
أستطيع أن أؤكد بكل ثقة أن أحداً من الأمناء العامين السابقين منذ حرب يونيو 1967 لم يدلل "إسرائيل" ويقترب من مواقفها وخطابها السياسي مثل الأمين العام الحالي بان كي مون، خاصة في دورته الثانية:  إنه أول أمين عام يدين الهجمات على المستوطنين، وقد تجنب كل من سبقوه هذه الإدانة غير الشرعية، باعتبار المستوطنين محتلين يستولون على أرض ليست لهم. لقد أصدر منذ بداية الهبة الفلسطينية الحالية خمسة بيانات كلها تتعلق باستهداف الإسرائيليين، ولم يصدر بياناً واحداً يدين فيه حتى قتل الأطفال الفلسطينيين من قبل المستوطنين، علماً أن نسبة القتل 1 إسرائيلي إلى 8 فلسطينيين ونسبة الأطفال 28٪ من مجموع الضحايا ـ إنه أول أمين عام يدين استهداف الجنود الإسرائيليين في الأراضي المحتلة والقدس الشرقية، علما أنها أراض محتلة، بل إنه أدان قيام إسرائيلي (رسميا حسب جواز السفر) قام داخل "إسرائيل" بقتل جنديين إسرائيليين.  ـ إنه أول أمين عام يعتبر مقاومة الفلسطينيين البسيطة مثل محاولات الطعن بالسكين إرهابا يدينه بأقسى العبارات، علماً أن القانون الدولي يسمح بمقاومة الاحتلال بالطرق التي يراها الواقعون تحته مناسبة.  ـ إنه أول أمين عام يتسرع في إصدار البيانات المنحازة لجانب "إسرائيل" بطريقة غبية، فقد أصدر بيانا يرفض فيه قرار المجلس المركزي الفلسطيني بوقف التنسيق الأمني، بدون أن ينـتظر موقف الرئيس الفلسطيني عباس، الذي أصدر فيتو ضد ذلك القرار، كما أصدر بياناً يدين خطف جندي إسرائيلي في حرب غزة صيف 2014 بعد إعلان وقف إطلاق النار، ليتبين أنها كانت إشاعة غير دقيقة، ما اضطر وكيله للشؤون السياسية، جيفري فيلتمان، أن يصدر توضيحاً سريعاً عن سبب الإصدار. ـ لا تكاد تمر مناسبة تحتفل بها إسرائيل إلا وكان على رأسها مهنئا أو خطيبا، بما في ذلك الاحتفالية بمرور 40 عاما على اعتماد القرار الملغى «الصهيونية شكل من أشكال العنصرية».  لقد استقبل الرئيس الإسرائيلي ريفيلن، رغم قرار إغلاق المبنى نتيجة عاصفة ثلجية. وأطرى في لقاء وداعي في المقر على شمعون بيرز وكأنه صنع السلام في الشرق الأوسط بكامله.
ـ إنه أول أمين عام تتغير لديه اللغة المتعارف عليها في البيانات المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي- لقد اختفت أو تكاد كلمة «المحتلة» من بياناته، فيستخدم مصطلح الضفة الغربية، بدون أن يلحقها بكلمة المحتلة- كما اختفت من مفرداته قرارات الأمم المتحدة مثل 242 (1967) و338 (1973) والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول الجدار الصادر بتاريخ 9 يوليو 2004. لم يعد هذا الأمين العام يذكر الأسرى إلا عندما يقترب أحد المضربين عن الطعام إلى حافة الموت، ولم يعد يتحدث عن اللاجئين وحقوقهم إلا في الإطار الإنساني ودعم وكالة الأونروا. والأهم من ذلك أن حصار غزة والكارثة الإنسانية التي تعيشها، لم تعد تسجل أي ظهور على رادار السيد بان. حتى مصادرة الأراضي والاستيطان لا تتعرض للإدانة بل يعبر فيها عن قلقه، كما فعل مؤخراً عند قرار "إسرائيل" بالاستيلاء على 370 دونما شرق القدس.
د. عبد الحميد صيام

من نفس القسم دولي