الوطن

الاحتكار.. المضاربة وغياب الرقابة ثالوث يتحكم في قوت الجزائريين ؟!

"الفاو" تكشف عن انخفاض أسعار المواد الغذائية لمستويات قياسية في السوق الدولية


•    انهاء احتكار الزيت والسكر ...أين هي قرارت الحكومة ؟!

عرفت أسعار جميع المواد الغذائية الفترة الأخيرة ارتفاعا ملحوظا رغم أن المنظمة العالمية للزراعة "الفاو" أوردت في تقرير لها نهاية الأسبوع أن أسعار الغذاء سجلت خلال جانفي المنصرم أدني مستويات لها منذ سنة 2009 حيث عرفت هذه الأسعار انخفاض وصل الـ 16 بالمائة وهو ما لم يحدث في الجزائر بسبب الاحتكار، المضاربة وغياب الرقابة ما يجعل قوت الجزائريين مرهون بجشع المستوردين ويخضع لحساباتهم وليس تقلبات الأسعار في السوق العالمية.
مفارقة عجيبة يعيشها الجزائريون بين ما تعرفه الأسواق الدولية من أسعار وما تعرفه السوق الوطنية، حيث يبين التفاوت الموجود بين ما هو معمول عالميا وبين ما هو موجود وطنيا مدى الاحتكار الذي تمارسه حزمة من كبار المستوردين الذين أصبحوا لا يحتكمون لمنطق اقتصاد السوق في ظل غياب الإطار القانوني والمراقبة الرادعة من طرف وزارة التجارة وهو الأمر الذي جعل هؤلاء المستوردين يتحكمون في الأسعار بعيدا عما هو معمول به دوليا ويجنون الملايير من جيوب المواطن إثر تقلبات الأسعار في البورصة فلم يسبق للأسعار في الجزائر وان انخفضت مسارية وتيرة البورصات العالمية غير أن هذه القاعدة لا تنطبق على كل الحالات فأرتفاع الأسعار في السوق الدولية يرفع من الأسعار في الجزائر.
•    أسعار الغذاء تنخفض لأدنى مستويات لها منذ 2009
في الوقت الذي عرفت فيه كل أسعار المواد الغذائية مؤخرا ارتفاعا ملحوظا بسبب سياسة التقشف وقانون المالية 2016 عرفت أسعار الغذاء انخفاضا كبيرا في السوق الدولية حيث كشفت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة في اخر تقرير لها انخفاض مؤشر قياس أسعار الغذاء خلال شهر جانفي الماضي إلى أدنى مستوى له منذ 2009 بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي وارتفاع قيمة الدولار الأمريكي، وسجل متوسط مؤشر أسعار الغذاء 4ر150 نقطة في جانفي بانخفاض مقداره 16 بالمائة عن العام السابق وقرابة 2 في المائة عن مستواه في الشهر الأخير من عام 2015 مع تراجع أسعار جميع السلع الغذائية حسبما أوضحته المنظمة. وهبط مؤشر الفاو الفرعي لأسعار السكر بنسبة 1ر4 بالمائة مقارنة بمستواه في شهر ديسمبر 2015 كأول انخفاض له منذ أربعة أشهر كما تحسنت أحوال المحاصيل في البرازيل باعتبارها أكبر البلدان من حيث إنتاج وتصدير السكر على الصعيد العالمي. وانخفض مؤشر أسعار الألبان بنسبة 3 بالمائة بفعل ضخامة كميات الإمداد المعروضة لدى كل من الاتحاد الأوروبي ونيوزيلندا إلى جانب فتور الطلب العالمي على الواردات. كما سجل مؤشر الفاو لأسعار الحبوب تراجعا نسبته 7ر1 بالمائة وسط امدادات عالمية وافرة وزيادة التنافس على أسواق التصدير وبخاصة في سلعتي القمح والذرة والى جانب قوة الدولار الأمريكي.  وانخفض مؤشر أسعار الزيوت النباتية بنسبة 7ر1 بالمائة بسبب تراجع أسعار زيت الصويا فيما يعكس توقعات وافرة من إمدادات الصويا العالمية. وبالنسبة لمؤشر أسعار اللحوم فقد سجل انخفاضا نسبته 1ر1 بالمائة من قيمته المعدلة لشهر ديسمبر.
•    الأسعار في الجزائر تساير الأسواق العالمية في الارتفاع فقط
وبالاعتماد على هذه الأرقام والمؤشرات من المفترض أن تعرف أسعار كل من الزيت، السكر، الحليب والأجبان والياغورت وكل شيء مصنوع من بودرة الحليب انخفاضا بالإضافة إلى الحبوب ومشتقاتها من الدقيق الصلب الفرينة ودقيق الذرة وبالتالي كل المنتجات المصنوعة من هذه المواد زد على ذلك  انخفاض في أسعار اللحوم الحمراء وهو ما لم يحدث بل بالعكس فان أسعار كل هذه المواد الغذائية والمنتجات عرفت ارتفاعا الفترة الأخيرة عدا بعض التخفيضات التي مست أسعار الحليب من طرف مؤسسة واحدة فقط وكما هو معروف لم  يسبق لسعر أي من السلع ذات الاستهلاك الواسع أن سايرت وتيرة البورصات العالمية، وترجع وزارة التجارة عدم مسايرة أسعار المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، للأسعار في الأسواق العالمية إلى عدة عوامل تتحكم في ضبط السوق الوطنية، كقانون العرض والطلب من جهة، وغياب ثقافة خفض الأسعار وجشع التجار من جهة أخرى، في وقت أعابت على مافيا المضاربة استغلال الفرصة لرفع الأسعار في فترات تكون فيها المنتجات تشهد ارتفاعا في البورصة الدولية، متجاهلة دورها الرقابي في هذا الصدد حيث من المفروض أن وزارة التجارة هي المسؤولة عن منع هذه الممارسات خاصة أذا تعلق الامر بالاحتكار الذي يعاقب عليه القانون.
•    حزمة من المستوردين والمتعاملين هم من يتحكمون في قوت الجزائريين
من جانب أخر يؤكد الخبراء الاقتصاديون وكذا جمعيات حماية المستهلك أن الأسباب التي تقدمها وزارة التجارة غير مقنعة خاصة فيما تعلق بمبدأ العرض والطلب مؤكدين أن مشكلة الأسعار في الجزائر هي مشكلة احتكار فأكثر من 60 بالمائة من المواد الاستهلاكية المستوردة يحتكرها نفس المتعاملين الاقتصاديين، ما يجعلهم يتحكمون في الأسعار معتبرين أن تدخل الدولة لمنع هذه الممارسات ليس فقط ضروريا، بل أكثر من حيوي، لمنع الاحتكار ومن ثم ضبط الأسعار، فمن غير المعقول، أن تبقى وزارة التجارة تتفرج على أسعار بعض المواد وقد تجاوزت سقف المعقول في حين تعرف أسعارها انخفاضا في السوق الدولية. خاصة أن عدم التنسيق بين الوزارات ووزارة الفلاحة والتجارة وعدم احترام السلسلة التجارية كان بمثابة البيئة المساعدة لفرض اللوبيات المستوردة للمواد الغذائية هيمنتها على الاسعار واحتكارها للمواد ما يؤكد ان هناك مافيا تتحكم في اسعار المنتوج الجزائري وعلى الدولة ان تحكم سيطرتها على المستوردين والمموّلين للسوق الوطنية في ظل غياب المراقبة والتشريعات القانونية التي تلزم المستوردين بقوانين منطق اقتصاد السوق المفتوح، وهو ما ساهم في الوضع الحالي وفتح المجال أمام هؤلاء المحتكرين لكسب الملايير على حساب المواطن الجزائري.
•    إنهاء احتكار الزيت والسكر ...أين هي قرارت الحكومة ؟!
وكانت الحكومة في فترة من الفترات السابقة قد أعلنت نيتها على انهاء الاحتكار في انتاج وتسويق الزيت والسكر من خلال تشجيع إقامة المزيد من المشاريع الاستثمارية في الصناعات الغذائية، والسماح لمتعاملين جدد لدخول مجال إنتاج وتجارة وتوزيع المواد الغذائية الأساسية، خصوصا السكر والزيت، وهو ما سيسمح بالقضاء على الاحتكار الموجود حاليا  مع ضمان استقرار أسعار هذه المواد، فخلق المزيد من الوحدات الانتاجية في فرع الصناعة الغذائية من شأنه فتح المنافسة على أوسع نطاق بين المتعاملين الاقتصاديين، إلى جانب التقليل من واردات الجزائر من المواد الغذائية من جهة بالإضافة إلى ان تكريس مبدأ المنافسة في هذا القطاع يؤدي إلى تزويد السوق المحلية بما يكفي من المنتوجات وبالنوعية المطلوبة والمطابقة للمعايير الصحية والغذائية العالمية بأسعار تكون في متناول مختلف فئات المجتمع وهي التصريحات التي تداول عليها مسؤولون منذ أشهر لتتلاشي هذه الأخيرة دون العودة أليها من أساسه ما يكشف أن نية الحكومة في أنهاء الاحتكار لمادتي الزيت والسكر لم تكن حقيقية ويدخل هذه التصريحات في خانة الحرب أو الصراع الدائر بين مسؤولون في الحكومة وبين بعض المتعاملين الاقتصاديين  بدليل أن أنتاج الزيت والسكر لا يزال محصور عند متعامل واحد في الجزائر


س. زموش

من نفس القسم الوطن