دولي

عندما تبني إسرائيل قرية درزية

القلم الفلسطيني




لم يشعر الفلسطينيون الدروز في الجليل، طوال عقود سبعة تلت نكبة شعبنا الفلسطيني عام 1948، بأن سياسة إسرائيل الممنهجة، مصادرة الأراضي الفلسطينية، تستثني أراضيهم، فقد صادرت السلطات الإسرائيلية ومجالسها أكثر من 83% من الأراضي التي يملكونها، وبنت عليها مستوطنات لليهود، وأقامت شبكة طرق حاصرت القرى والبلدات الدرزية، ورفضت "مجالس التنظيم والبناء الإسرائيلية" عشرات الطلبات لتوسيع المخططات الهيكلية والمسطحات للقرى والبلدات الدرزية، وآلاف الطلبات لمنح تراخيص بناء، في ظل زيادة عدد الدروز في شمال فلسطين، ما أدى إلى وجود آلاف الأبنية والمنازل غير المرخصة، والمهدّدة بالهدم من السلطات الإسرائيلية. وتعود منازل وأبنية منها لشبانٍ دروز خدموا في جيش الاحتلال. وكانوا يعتقدون أن المؤسسة الإسرائيلية ستعاملهم، بعد الانتهاء من الخدمة العسكرية، معاملتها الجنود اليهود، من حيث تقديم المساعدات المالية والتعليم ومنحهم التسهيلات، وخصوصاً في المسكن. وقد أدت السياسة العنصرية، التي يعاني منها أبناء الطائفة الدرزية، إلى بلورة وعي وطني، رافض للسياسة الإسرائيلية تجاههم، والتي أوصلت كثيرين منهم إلى أنهم يهودٌ في الواجبات وعرب فلسطينيون في الحقوق.  بنت الحكومات الإسرائيلية منذ النكبة أكثر من 1200 تجمع إسرائيلي على أنقاض قرى وبلدات تم تهجير أصحابها الشرعيين، في وقتٍ استمرت فيه السياسة الإسرائيلية على حالها في مصادرة الأراضي العربية، ومنع توسيع المدن والبلدات والقرى العربية، ووضع شروطٍ تعقيديةٍ كثيرة لحصول المواطنين العرب على تراخيص بناء على ما تبقى لهم من أراضٍ، وعلى الرغم من تضاعف عدد المواطنين العرب عشرة أضعاف عمّا كانوا عليه في 1948.
وفوجئت الجماهير العربية في الداخل الفلسطيني، قبل أسابيع، بقرار ما تسمى لجنة البناء والتنظيم الإسرائيلية ببناء قرية درزية تضم 400 وحدة سكنية على أنقاض قريتي حطين ونمرين قرب طبريا، والتي كان قد تم تهجير أصحابها الأصليين إلى مخيمات اللجوء في الضفة ولبنان وسورية. ورفض كثيرون من أبناء الطائفة المعروفية القرار، واعتبروه خطوة جديدة في سياسة عزل الطائفة عن شعبها وتشويه الثقافة العربية الدرزية، ومحاولةً لزرع بذور فتنةٍ جديدةٍ بين أبناء الشعب الفلسطيني، خصوصاً أن هذه الأراضي تم تسجيل معظمها في دائرة ما تسمى "حارس أملاك الغائبين". ووصفت نخب وقيادات درزية القرار الإسرائيلي ببناء القرية الجديدة على أنه بناء لمستوطنة جديدة، وإدخال الدروز في مواجهة أبناء شعبهم، وأكدت أنه قرار لا يمكن أن يحل أزمة البناء والسكن نهائياً، ولو كانت إسرائيل معنيةً بإيجاد حل لقضايا البناء في القرى الدرزية، لأعادت الأراضي التي صادرتها من هذه القرى، ولوافقت على مطالبات المجالس الدرزية بتوسيع المخططات الهيكلية، ومنح المواطنين الدروز تراخيص بناء في مدنهم وقرب عائلاتهم، بدلاً من بناء القرية الجديدة التي لن تحل مشكلتهم، بل ستؤدي إلى تفتيتهم وضربهم مع أبناء شعبهم، في وقت بدأ فيه كثيرون منهم إعادة النظر في علاقتهم مع الدولة الإسرائيلية والتجنيد.
لم تتوقف إسرائيل أبداً عن سياساتها، تفتيت المجتمع العربي الفلسطيني، وتقسيمه في داخل إسرائيل إلى مكوناتٍ ومسمياتٍ، حيث تتعمد الحكومة، وبشكل ممنهج، التعاطي بشكل خبيث مع الجماهير العربية، فتراها تقسمهم إلى مسلمين ودروز ومسيحيين وشركس وبدو، وغيرها من الأسماء الخبيثة لتفتيت المجتمع العربي، وإبقائه ضعيفاً أمام الهيمنة الإسرائيلية العنصرية، المرتبطة بما تسمى يهودية الدولة، وحرمانهم من حقوقهم القومية الجماعية والمدنية.  وكانت الجماهير العربية في الداخل قد شكلت القائمة المشتركة لانتخابات الكنيست، في مارس/آذار 2015، رداً وطنياً مسؤولاً على السياسات الإسرائيلية الهادفة إلى ضرب وحدتهم، وتمرير مشروع الدولة اليهودية. وها هم أبناء الطائفة العربية الدرزية يشكلون ضربةً للحكومة الإسرائيلية، برفضهم مخطط إقامة القرية الجديدة على أنقاض قرى فلسطينية، ففي وقتٍ يتراجع فيه انخراط الدروز في المؤسسات والأحزاب الصهيونية، على الرغم من أنها لا زالت موجودة، إلا أن الواقع يشير إلى زيادة في الوعي الوطني لدى كثيرين منهم، مع زيادةٍ كبيرة في أعداد الذين يرفضون المشاريع الإسرائيلية، في الخدمة العسكرية والمشاريع الأخرى التي جاء جديدها بناء قريةٍ لهم.
عادل شديد

من نفس القسم دولي