دولي

مأساة تتجاوز التصريحات

القلم الفلسطيني




إن أسوأ ما يمكن لمنظومة أن تفعله هو أن تواجه فضائحها الحقيقية بسلسلة أكاذيب تصدّرها نحو خصمها السياسي الأبرز في أية ساحة، وهذا ما تفعله حركة فتح عادة، وما فعلته مؤخراً عقب تصريحات الإقرار بمنع عمليات المقاومة، التي صدرت عن رئيس مخابراتها (ماجد فرج) ثم أكّدها رئيسه محمود عباس، بل وصلت به الصراحة للقول إن التنسيق الأمني أمر لا فكاك منه، والهدف منه حماية مواطنينا وكذلك جيراننا (إي الإسرائيليين) على حدّ قوله! لكنّ ناطقي حركته يبلغ بهم الشطط مبالغ مزرية وهم يصدّرون أزمتهم الفضائحية باتجاه حماس، رغم أن رافضي تصريحات فرج وعباس ليسوا فقط جمهور حماس، بل إن آراء عامة الناس وتعليقاتهم أكثر تطرفاً من كل ما صدر عن أنصار حماس، لأن الأمر ببساطة يصطدم مع ثقافة عقل جمعي ما زال يعدّ المقاومة خطاً أحمر، وثابتاً لا يقبل المساس. الجديد فقط على هامش هذه التصريحات أن من يسمّون بمثقفي السلطة باتوا يدافعون عن التنسيق الأمني كخيار، ويفصّلون في الحديث عن فضائله وضروراته، مع استحضار أفكار حول خطورة المقاومة على أرواح الشباب، ثم يرصفون مجال هذا الرأي بجملة أكاذيب تتعلق بحماس في غزة وادّعائهم أنها بدورها تواجه المقاومة هناك، وهذا بطبيعة الحال أسخف ما يمكن أن يقال، لأنه لن يجد سوقاً لتصريفه سوى في العقول المنتمية إلى منظومة الإفك ذاتها، فيما عموم الشارع لا يمكن أن يشتريه بفلس واحد. أما عن التنسيق الأمني وتحوّل السلطة إلى كيان وظيفي لخدمة الاحتلال فهو أمر معروف منذ سنوات طويلة ومفروغ منه، رغم أن هذه الجريمة لم يترتّب عليها (فلسطينياً) ما يمكن أن يواجه هذه الحالة المتقدّمة من التعامل العلني مع الاحتلال ولو على نطاق عزل هذه القيادة المهترئة والمقامرة بمصير قضية مقدّسة والمعرقلة مسيرة تحرير الأرض أو مقاومة مغتصبيها. وهو أمر يكشف لنا حجم النفاق الداخلي والتهرّب من حسم المواقف في قضية حساسة كهذه، ويعني بالتالي أنه ما من قيادة فلسطينية شجاعة يمكن أن تفرض نفسها بقوّة على الأرض أو تتجرّأ على عزل الخائنين والمفرّطين، أو على الأقل تصنيفهم في الخانة التي يستحقونها. ومع إدراك أنه ليس من الصواب فتح جبهات مع أذناب الاحتلال وإغفال الأصل المنتج لهذه الحالة، أي الاحتلال نفسه، الذي ينبغي أن تظلّ فصائل المقاومة مركزة جهودها في استنزافه، إلا أن تلك الميوعة على الصعيد الوطني في الاعتياد على سماع هذه التأكيدات على محاربة المقاومة ومنعها لا تبشّر بخير، حين لا تُقابل سوى بإدانات لحظية غاضبة لا تلبث أن تتلاشى مع مرور الوقت، ثم يتمّ التعامل مع تلك المنظومة على أنها شريك وطني كامل الأهلية. في بداية هذه الانتفاضة رأينا كثيراً من أنصار المقاومة يدعمون فكرة التقارب مع السلطة ومنحها صكّ غفران عمّا سبق من باب الدفع باتجاه تشكيل قيادة موحدة للانتفاضة، ومن باب منح السلطة فرصة للعودة إلى الصف الوطني، ورغم ما في هذا المنحى من طرافة ورومانسية لا يحتملها الواقع، إلا أنها كانت تعبّر بوضوح عن إشكالية مزمنة حتى لدى فريق من جمهور المقاومة أو قادتها، خصوصاً أن ما يحصل على الأرض يتحدث بوضوح عن دور أجهزة السلطة التي تتزعمها حركة فتح في تفكيك الكثير من الخلايا المقاومة، وصولاً إلى مراقبة الفعل الفردي، وحتى ملاحقة راشقي الحجارة والزجاجات الحارقة، واعتقال العديد منهم وفرض غرامات مالية عليهم، واستصدار تعهدات من بعضهم بعدم العودة إلى ممارسة فعل الانتفاضة بعد خروجهم. ومع ذلك، هناك من يتعامل مع السلطة وكأنها طفل صغير، يمكن أن يلتزم السلوك الحسن بقليل من التشجيع والتصفيق والتغاضي عن أخطائه، ومن جهة أخرى هناك من يحلم بأنه ما زالت هنالك إمكانية لجرّ السلطة لمربّع الانتفاضة والمقاومة ببعض التذاكي والسياسات التوافقية العقيمة. ولعلّ هذا الوهم الكبير المتضخّم مع مرور الوقت لا يقل مأساوية عن فعل أجهزة السلطة وتصريحات قادتها، لأنه ينطلق من اعتبارات رغائبية بائسة، ومن قصور في الرؤية أو القدرة على التمييز، وهو ما ينتج قصوراً في التغيير على أرض الواقع.
لمى خاطر

من نفس القسم دولي