دولي

حماس والاستحقاق الصعب في لبنان

القلم الفلسطيني


ما زالت أزمة تقليص "الأونروا" لخدماتها مستمرة، وتُشعل غضب اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين يتحركون تصاعدياً ضدها. كنا قد أشرنا سابقاً إلى أن تقليص الخدمات يُعبر عن سياسة ممنهجة لوكالة "الأونروا"، كما أشرنا إلى غياب منظمة التحرير الفلسطينية عن المشهد الذي تتفاعل معه الفصائل السياسية ومنظمات المجتمع المدني الفلسطيني في لبنان. أما فيما يتعلق بحركة المقاومة الإسلامية "حماس" ودورها في هذه الأزمة، فلا شك أنها طرف فاعل ومتقدم، لا سيما عبر المشاركة في الاعتصامات، والتحركات السياسية، والضغط على "الأونروا" ومديرها العام السيد "ماتياس شمالي" في بيروت، إضافة إلى نشاطها الإعلامي المتعدد الوسائط في تغطية شؤون اللاجئين وفعاليّاتهم. وكان لافتاً في هذا السياق تصريحات السيد خالد مشعل، عندما أكد اهتمامه بأوضاع اللاجئين، وبأن حركته ستبذل جهدها لحل الأزمة الراهنة بالتواصل مع العديد من الجهات والدول المعنية. المتابع لأوضاع الفلسطينيين في لبنان، يدرك مستوى نشاط حركة "حماس" متعدد الاوجه في المخيمات، ومنها على سبيل  المثال: الإغاثة وتقديم المساعدات العينية للفقراء والمحتاجين، خاصة في المناسبات والمواسم كالأعياد، وبداية العام الدراسي، وشهر رمضان المبارك..
قيامها بدور حيوي في تجنيب المخيمات أية هزّات أمنية داخلية أو مع المحيط اللبناني. ونُذَكِّر هنا بمساعيها الحميدة في تجنيب مخيم عين الحلوة الأحداث الدامية بين الجيش اللبناني وأنصار الشيخ "الأسير" في مدينة صيدا (حزيران/يونيو من العام 2013)، وكذلك دورها في تهدئة الأجواء عقب الاشتباكات المسلحة بين حركة "فتح" والمجموعات الإسلامية في مخيم عين الحلوة أيضاً، والتي وقع أحدثها في حزيران/يونيو من العام 2015
تواصلها المستمر مع الساسة، وقادة الأحزاب، والمؤسسات الأمنية اللبنانية، في محاولة لتحسين أوضاع اللاجئين، والتأكيد على العلاقة الأخوية بين الشعبين اللبناني والفلسطيني.
مع تقديرنا لتلك الجهود وغيرها مما تقوم به الحركة، إلا أننا نتساءل عن مدى كفاية تلك المساعي في حماية واقع ومستقبل الفلسطينيين في لبنان؟ وإذا كان الأمر غير ذلك، فما هو المطلوب من حركة "حماس"؟ بداية، لا بد من الإشارة مجدداً إلى أهمية الجغرافيا السياسية المحيطة بفلسطين التاريخية. فإذا كان الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بمثابة القلب، فإن الوجود الفلسطيني في دول الطوق بمثابة الجناح للطائر. وما يزيد من أهمية الوجود الفلسطيني على الساحة اللبنانية، تعرض نحو نصف مليون لاجئ فلسطيني في سوريا إلى النزوح واللجوء في ظل الاقتتال الدائر هناك، ما قد يُفضى عملياً إلى تفريغ سوريا من الفلسطينيين الذين كان لهم دورٌ فعّال في الثورة ضد الاحتلال الإسرائيلي. هذا بالإضافة إلى محدودية الوجود الفلسطيني في مصر، وتجنيس أغلب الفلسطينيين في الأردن التي لا تسمح لحركة "حماس" بالتواجد أو العمل على أراضيها، على عكس لبنان الذي ما زال يُفسح المجال للتحرك سياسياً وإعلامياً وإنسانياً.. من جانب آخر لا بد أن نعلم أن الفلسطيني في لبنان يعيش في ظروف غاية في البؤس والشقاء، فحسب دراسة أجرتها وكالة "الأونروا" بالشراكة مع الجامعة الأمريكية في بيروت عام 2010، تشير بيانات الدراسة إلى أن:
    66.4% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعانون من الفقر.
    56% من الفلسطينيين عاطلون عن العمل.
    33% من اللاجئين الفلسطينيين يعانون من أمراض مزمنة.
    95% من الفلسطينيين ليس لديهم تأمين صحي.
    50% فقط من الشباب الفلسطيني في مرحلة الثانوية (بين 16 و18 سنة) يرتادون المدرسة أو معاهد التدريب المهني. في مؤشر على مستوى التسرب المدرسي المخيف.
هذه الأرقام المرعبة تؤكد مستوى الاستحقاق المطلوب من حركة "حماس" بالإضافة إلى الفصائل الفلسطينية الأخرى وفي مقدمتها حركة "فتح" التي تهيمن على منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسسات السلطة في رام الله. وإذا كانت حركة "حماس" تؤمن بدور اللاجئين الفلسطينيين في الثورة والنضال ضد الاحتلال ـ على عكس حركة "فتح" التي جعلت من اللاجئين الفلسطينيين ملفاً للتفاوض والمساومة ـ فعليها استدراك أوضاعهم الكارثية في لبنان، من خلال استراتيجية تُعنى بالتنمية المستدامة، في موازاة عمل وكالة "الأونروا"، وذلك على النحو التالي:
 أولاً: إقامة بُنية تحتية للتعليم الأساسي والعالي (مدارس، ومعاهد، وجامعة)، لرفع مستوى التعليم الذي يعد مفتاحاً أساسياً لتحسين مستوى المعيشة، وتطور الوعي السياسي.

ثانياً: إقامة مشاريع صحية، كالعيادات الخارجية، ومشفى للمساعدة في الطبابة وعمليات الاستشفاء.
ثالثاً: إقامة مشاريع اقتصادية منتجة، قادرة على تشغيل الأيدي الفلسطينية العاملة، وحملة الشهادات الجامعية، كجزء من التنمية بدلاً من صرف المبالغ الطائلة في قطاع الإغاثة الاستهلاكي.
وأخيراً، لا بد من استثمار تلك الجهود في خدمة المشروع الوطني الساعي لتحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي، ولعودة اللاجئين إلى وطنهم. وهذا يُلقي بالمسؤولية على حركة "حماس" لإعادة النظر في كيفية تفعيل دور اللاجئين الفلسطينيين في المشروع الوطني. وهذه ليست دعوة للعسكرة أو لحمل السلاح في الداخل اللبناني، وإنما دعوة لضرورة التفكير ملياً في ماهية المساهمات الممكنة للاجئ الفلسطيني، بما يتناسب مع ظروف الدولة اللبنانية. آخذين بعين الاعتبار أن لبنان كان الأكثر تفاعلاً مع القضية الفلسطينية تاريخياً بغض النظر عن سلبيات الماضي المتعلق بالحرب الأهلية، وبقطع النظر عن المناكفات السياسية اللبنانية الداخلية.
ففي تقديري أن حركة "حماس" تحظى باحترام الجهات الرسمية، والعديد من القوى السياسية اللبنانية، إدراكاً منها بأن "حماس" هي الحركة الأحرص على حشد الطاقات باتجاه عودة اللاجئين ورفض التوطين. قد يبدو الأمر نظرياً أكثر منه واقعياً لدى البعض، ولكننا نقول أن التغيير إلى الأفضل يبدأ بفكرة.

أحمد الحيلة

من نفس القسم دولي