دولي

تقليصات الأونروا بين الواقع الصحي والقرار الدولي

القلم الفلسطيني




تقليصات الأونروا الأخيرة في استهداف بند الصحة من الموازنة، لم تأت في سياق عجز في الموازنة فقط، حتى يمكن معالجته مالياً حصراً. جاءت هذه التقليصات في وقت يزداد التصويب السياسي على قضية اللاجئين الفلسطينيين بهدف تصفيتها، واعتبارها معوّقاً رئيسياً في مسار التسوية السياسية. وزيادة التسريبات عن قرارات في الغرف الدولية المغلقة، بالتصفية المادّية لمخيمات فلسطينية في لبنان. أن أي إجراء تتخذه الأونروا تجاه قضية اللاجئين، سيكون له الوقع الأسوأ على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بما أن هناك حكومات أو سلطة في الأقطار الأربعة الأخرى (الأردن، سورية، غزة، الضفة)، ترعى أو تتعامل مع لاجئيها الفلسطينيين بطريقة مغايرة لتلك التي تتعامل بها السلطات اللبنانية، من حيث مراقبة آلية عمل الأونروا، والإشراف على حياة اللاجئين، ووجود خيارات نسبية للاجئين بالتوجه إلى مستشفيات أو مدارس حكومية. أن تقليصات الأونروا في مجال الصحة، سبقتها إجراءات في مجال التعليم، سمحت بوجود أكثر من 50 طالباً في الفصل الواحد، وهو ما يُعدّ تدميراً مباشراً للعملية التعليمة. هذه العملية التي بلغت مرحلة من السوء بحيث أن نسبة خريجي الجامعات من الفلسطينيين في لبنان هو ستة بالمائة، بينما يقارب 25 بالمائة في غزة والضفة الغربية. وما تقدّمه الأونروا للاجئ الفلسطيني في مجال الصحة هو بسيط للغاية. فلو قارنا ما تقدّمه لـ 3.1 مليون لاجئ، وما يقدّمه لبنان لأربعة ملايين من مواطنيه مثلاً، لكانت الفجوة كبيرة جداً. فبند الصحة يقتطع حوالي 100 مليون دولار من موازنة الأونروا (قبل التخفيضات الأخيرة). أما بند الصحة في الموازنة اللبنانية فيقتطع أكثر من مليار و250 مليون دولار. وفي تقرير للمفوض العام لوكالة (الأونروا) للعام 2004-2005 يقول بأنه تفيد منظمة الصحة العالمية بأن الإنفاق السنوي للفرد الواحد على الصحة في البلدان المنخفضة الدخل يتراوح بين دولارين إلى 50 دولاراً. أما متوسط إنفاق الوكالة على الصحة في عام 2004 فقد قُدر بمبلغ 14.6 دولاراً للاجئ الواحد
هذا قبل التخفيضات الأخيرة التي تجبر اللاجئ الفلسطيني على أن يدفع 40% للعمليات في المستشفيات المهمة. وتجبره أيضاً أن يدفع حوالي 20% في المستشفيات الحكومية والخاصة العادية. والتوجه إلى مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني لطلب العلاج، مع معرفة الجميع بأن مستشفيات الهلال الأحمر غير مهيّأة، ولا مجهّزة، ولا تحظى بالثقة. وتلغي هذه التخفيضات الكثير من الخدمات التي كانت تغطى بنسبة 100% للمرضى في المستوى الثاني، مثل الصور المغناطيسية وعلاج الكسور. اللاجئ الفلسطيني في لبنان خصوصاً كان يجب أن تلحظ الأونروا، والمجتمع الدولي، رعاية مميزة له، خاصة وأن تقارير الأونروا (بالذات تقريرها عام 2010)، يشير إلى وضع صحي مأساوي لهذا اللاجئ. يذكر التقرير أن حوالي ثلث السكان يعاني من أمراض مزمنة. وأن21%ممن شملهم المسح قالوا إنهم يعانون من الانهيار العصبي أو القلق أو الكآبة. كما يشير إلى أن 95% من الفلسطينيين ليس لديهم تأمين صحي. أما تقرير مؤسسة فافو النروجية عام 2000 فيشير إلى أن خمسة بالمائة من الأطفال بين السنة الأولى والثالث من العمر يعانون من سوء التغذية (مقارنة بأقل من 1 بالمئة في مخيمات الأردن). ويقع 4 بالمئة إضافية في فئة ((الأطفال المعرّضين للعطب)) مقارنة بـ 2 بالمئة في الأردن. ويذكر التقرير نفسه أنه بين العامين 1989 و1995 انخفض عدد أسرة المستشفيات المتاحة للفلسطينيين في لبنان بمقدار يزيد عن النصف من 0.56 سرير إلى 0.25 سرير لكل 1000 شخص. وأنه يتعاطى حوالي العدد نفسه (21 بالمئة) الأدوية بانتظام لأسباب الإحباط النفسي، كما أن 16 بالمئة قد استعملوا هذه الأدوية أحياناً خلال الأشهر الستة الماضية. هذا هو الواقع الصحي المزرى للاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذي يستوجب التحرّك بوجه الأونروا، التي هي في النهاية ليست وكالة دولية مستقلة، بل جلّ أموالها من الولايات المتحدة، التي تمسك بقرار هذه الوكالة، من هنا فإن الضغوطات يجب أن تتضاعف لتحقق المبتغى، وتنقذ اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
أحمد الحاج

من نفس القسم دولي