دولي

المجتمع الدولي ومأساة الحصار على غزة

القلم الفلسطيني



لازال الحصار يضرب أطنابه في كل بقعة من بقاع قطاع غزة الصامد، الذي يواجه بعزيمة وإصرار هذا الحصار، بل ويتعايش مع أيامه وساعاته بكل عزة وانتصار. هذا الحصار الظالم الذي يتواصل على القطاع منذ أكثر من ثمانية سنوات، وقد تخلله شن ثلاثة حروب عدوانية على قطاع غزة، دمر العدو الصهيوني خلالها أكثر من 60 ألف منزل ومؤسسة، وخرب البنى التحتية، فيما تضررت عشرات الآلاف من المنازل خلال هذه الحروب. لكن قطاع غزة واجه هذه الحروب بكل قوة وشراسة وتحد وصمود وإصرار على الحياة، بعد كل هذه الحروب والمعاناة لم يرفع الحصار عن غزة ولم تفتح المعابر، وما زالت الأوضاع المعيشية صعبة للغاية في قطاع غزة عوضا عن مواصلة انقطاع التيار الكهربائي منذ أكثر من خمس سنوات دون إيجاد حل لهذه المأساة التي يحياها الناس في قطاع غزة، وربما تزاد مأساة الكهرباء عاما بعد عاما، دون إيجاد حل لها في الأفق. مؤخرا كشفت مواقع إعلامية أن المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة شريكة في مأسسة حصار غزة، خاصة عبر آلية الأمم المتحدة لإعمار غزة التي تحمل اسم "خطة سيري"، وقد أقرت هذه الآلية بعد العدوان الإسرائيلي على القطاع في العام 2014م. وقد كشفت المواقع الإلكترونية رأيا قانونيا للبروفيسور الجامعي (نايجل وايت) والذي يعمل في جامعة نوتنغهام البريطانية، تحدث فيها أن الأمم المتحدة وضعت من خلال خطة (سيري) الكثير من العقبات أمام طريق إعادة إعمار غزة، وأن قاعدة البيانات الخاصة بالآلية من أسماء مستفيدين ومراكز توزيع مواد البناء كلها مسربة للجانب الإسرائيلي وقد يتم استغلالها لشن ضربات على أية أهداف في أية حرب قادمة على القطاع. وقال البروفيسور وايت: "إن النص الكامل لهذه الوثيقة السرية قيد الكتمان لدى الأمم المتحدة وإسرائيل والسلطة، وأن روبرت سيري قدم آلية إعادة إعمار غزة قبل صدورها بشكل نهائي ومررها على كيان الاحتلال الذي غير فيها بما يتماشى مع أمنه، ثم حصل على موافقة أممية، وهي تحتوي على الكثير من الالتزامات المفروضة على السلطة الفلسطينية ولابد التعامل معها". هذه ليست المرة الأولى التي يُكشف فيها عن وثائق ومعاهدات سرية أممية لحصار غزة، بل أن المجتمع الدولي متواطئ وبصورة كاملة مع العدو الصهيوني، ولا يستطيع أن يعلن صراحة جرائم (إسرائيل) بحق شعبنا الفلسطيني والبشرية جمعاء، حتى أن هناك المئات من القرارات الدولية لازالت حبيسة في أدراج الأمم المتحدة تدين (إسرائيل) وتحملها المسؤولية الكاملة عن آلاف الجرائم، ولكن لا تستطيع الأمم المتحدة الحديث عنها، بل وتصدم هذه القرارات بحق النقض (الفيتو). أن الحصار الكبير الذي تفرضه (إسرائيل) على قطاع غزة، هو أكبر ظلم تاريخي يواجهه 2 مليون فلسطيني يعيشون في بقعة صغيرة من العالم، يحرمون من حقوقهم الأساسية في الحياة، فضلا عن حرمانهم من التنقل والحركة بحرية، لذا فهم يعيشون في سجن كبير، يناضلون ويكافحون في كل يوم وكل ساعة من أجل الحرية وكسر الحصار عن غزة. إننا كفلسطينيين نعوّل كثيرا على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في الوقوف بجانبنا ونصرة قضيتنا وحقوقنا المصيرية، ولكن للأسف لا زال المجتمع الدولي يخدعنا، بل ويصر على إضاعة حقوقنا، وعدم الوقوف بجانبنا في وجه الكيان الصهيوني، أو مجرد كشف حقائق هذا الاحتلال. أن الفلسطينيين يتوقعون الكثير من الأمم المتحدة وينتظرون منها الوقوف معها في نضالها الدبلوماسي في محكمة الجنايات الدولية، وعملها في أروقة الأمم المتحدة، ولا ينتظرون منها التواطؤ مع دولة الاحتلال، وهذا يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها الأساسية التي تؤكد على حقوق الشعوب في الحرية، وتقرير المصير، وإنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب والإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره، والعمل على تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي. إذن أين العدالة ومواثيق الحرية والديمقراطية التي تنشدها الأمم المتحدة وهي تشارك في مأسسة الحصار على قطاع غزة، أين العدالة وهناك آلاف المواطنين في قطاع غزة يعانون من أمراض السرطان والقلب والكلى ولا يستطيعون التحرك للحصول على حقهم في العلاج والكرامة الإنسانية؟ أن الحصار (الإسرائيلي) المفروض على كافة الأراضي الفلسطينية، ومواصلة جرائم الاحتلال، كانت أبرز الأسباب لاستقالة مقرر الأمم المتحدة في فلسطين (مكاريم وييسفو) الذي قال مؤخرا إنه على مدى عام ونصف من عمله كمقرر أممي في الأراضي الفلسطينية عايش الضحايا الفلسطينيين واستمع للمسئولين الفلسطينيين والأمم المتحدة ومنظمات المجتمع الدولي، يشعر أن الأمور تتجه إلى الأسوأ في حقوق الإنسان مع مواصلة الاعتقال الإداري بحق الفلسطينيين، ومواصلة بناء الجدار العازل وتقطيع أوصال المناطق الفلسطينية، ومواصلة الحصار الطويل المفروض على قطاع غزة، وبطء عملية إعادة الإعمار، وانتهاك (إسرائيل) لحقوق الإنسان، وعدم التزامها بقوانين الحرب الدولية، وإعاقة عمله في الأراضي الفلسطينية. والسؤال الأخير متى تشعر الأمم المتحدة ويشعر المجتمع الدولي بمأساتنا، ويتخذ القرارات العملية لرفع الحصار عن قطاع غزة حتى يحيا الناس بحرية وكرامة كغيره من الأمم والشعوب


غسان مصطفى الشامي

من نفس القسم دولي